خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في مؤتمر القمة العربي الثاني والعشرين

خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في مؤتمر القمة العربي الثاني والعشرين

لبنانبيروت
27 آذار/مارس 2002
ألقى نيابة عن جلالة الملك دولة رئيس الوزراء السيد علي أبو الراغب

بسم الله الرحمن الرحيم

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،

فهذه هي القمة الثانية بعد قمة عمـان التي كرست مبدأ الانعقاد الدوري للقـمم العربية وها نحن نجتـمع اليوم في لبنان وهي مناسبة نبارك فيها للشعـب اللبنانـي الشقيق بانتصاره وتحرير أرضـه في الجنوب وأرجو أن تأذنـوا لي أن أتوجه بعميـق الشكـر والتقدير لفخامـة الأخ الرئيس أميل لحّود رئيس هذه القمّة وللحكومة اللبنانية على الحفاوة وحسن الاستقبال وعلى الإعداد الجيد واتخاذ الترتيبات الضرورية لانعقاد هذه القمة.

كما أتوجه بالشكر والتقدير أيضاً إلى أمين عام الجامعة العربية وكوادر الجامعة على ما بذلوه من جهود طيّبة خلال العام الماضي.

أصحاب الجلالة والفخامة والسّمو،

لقد تشرّفت المملكة الأردنية الهاشمية باستضافة القمّة العربية الأخيرة في شهر آذار من العام الماضي وقد كانت القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى وما تزال تمرّ بأدقّ المراحل وأكثرها خطورة وذلك بسبب السياسات والإجراءات القمعيّة التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في تعاملها مع الشعب الفلسطينيّ الشقيق ونضاله المشروع للحصول على حريته وبناء دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس.

وقد انصبّت جهودنا طيلة العام الماضي على وضع حدّ لما يتعرّض له الشعب الفلسطينيّ من عمليات القتل والتدمير والحصار وحثّ المجتمع الدولي على إلزام إسرائيل بما اتفقت عليه مع الجانب الفلسطيني والعودة إلى المفاوضات للوصول إلى تسوية عادلة بالاستناد إلى قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات التي توصّل إليها الطرفان عبر السنوات الماضية.

وقد استند التحرك الأردني لتطويق الأزمة ووقف الاعتداءات التي يتعرّض لها هذا الشعب الشقيق إلى المرتكزات التالية:

  • أولاً: إنّ المشكلة في أساسها مشكلة سياسية وليست أمنية ولابدّ من التعامل معها على هذا الأساس. فقد كان تعثر العملية السلمية وتفجر الأوضاع في المنطقة بسبب مماطلة إسرائيل في تنفيذ ما اتفقت عليه مع الجانب الفلسطيني ومحاولتها التملص من هذه الالتزامات. وقد أكدنا في كل تحركاتنا على أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية هو أساس الصراع في المنطقة وأن الأعمال العسكرية التي يمارسها الجيش الإسرائيلي ضدّ الشعب الفلسطيني الأعزل هي التي تؤدي إلى ردود الفعل الفلسطينية الشعبية.
  • ثانياً: لقد قامت عملية السلام على أساس من الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة 242 و 338 ومبدأ استعادة الأرض مقابل السلام وعلى ذلك فليس من حق أي جهة كانت أن تجري أي تعديل على هذه المرجعيات أو تسعى لإيجاد تفسيرات جديدة لها بهدف التنصل من التزاماتها أو التراجع عما وقعت عليه من اتفاقيات.
  • ثالثاً: إن عملية السلام كلٌ لا يتجزأ والسلام العادل والشامل والدائم الذي تتطلع إليه شعوب المنطقة لن يتحقق إلا بعودة الحقوق العربية كاملة إلى أصحابها وفي مقدمتها قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وإيجاد تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين واستعادة سوريا الشقيقة لأرضها المحتلة في الجولان بانسحاب إسرائيل منها وحتى خطوط الرابع من حزيران وانسحابها أيضاً من بقيّة الأراضي اللبنانية في مزارع شبعا.
  • رابعاً: إنّ السلطة الفلسطينية برئاسة سيادة الأخ ياسر عرفات هي القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني وعلى ذلك فلابدّ من الوقوف في وجه أيّة محاولة لتهميشها أو إضعافها أو إيجاد بديل لها، لأنّ ذلك يعني بالضرورة المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار في الأراضي الفلسطينية وفي المنطقة بأسرها.

وانطلاقاً من هذه المرتكزات الرئيسية قمت، بصفتي رئيساً للقمّة العربية، بالاتصال مع مختلف الأطراف المعنيّة بعملية السلام وفي مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا والمجموعة الأوروبية والصين والأمم المتحدة وغيرها من المنظمات والهيئات الدولية. وقد تصدّر الموضوع الفلسطينيّ جميع المحادثات التي أجريتها في تلك العواصم وقد أسهمت هذه الجهود بالإضافة إلى ما قام به الأشقّاء في كلٍّ من جمهورية مصر العربية والمملكـة العربية السعودية والجمهورية العربية السورية والقيادة الفلسطينية في اكتمال إجماعٍ دولي يقر بضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وقد تجلى هذا الإجماع في الموقف الأمريكيّ والأوروبي الإيجابي تجاه هذا الموضوع وصدور قرار مجلس الأمن الدوليّّ رقم 1397.

أصحاب الجلالة والفخامة والسّمو،

أمّا بالنسبة للحالة بين العراق والكويت فقد اتفقنا في قمتنا الأخيرة في عمّان على ضرورة بذل المزيد من الجهود لطيّ صفحة الماضي وعودة العلاقات الطبيعية بين الأشقاء إلى ما كانت عليه. وقد استندت جهودنا في هذا الموضوع على ميثاق جامعة الدول العربية الذي يضمن أمن وسلامة كل دولة وسيادتها على أراضيها ومواردها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية واعتماد الحوار أساساً ومنهجاً لتسوية الخلافات.

وعلى هذا الأساس فقد أكدنا مراراً على ضرورة احترام استقلال وسيادة دولة الكويت وضمان أمنها ووحدة أراضيها ضمن حدودها المعترف بها دولياً. وفي الوقت نفسه كان لابدّ من التأكيد على احترام سيادة العراق واستقلاله ووحدة أراضيه ووضع حدّ لكلّ ما يتعرّض له من حصار وإجراءات تنال من أمنه وسيادته على كامل أراضيه.

أصحاب الجلالة والفخامة والسّمو،

لقد شكلت العمليات الإرهابية التي تعرضت لها بعض المدن الأمريكية في أيلول الماضي تحدياً جديداً للعرب والمسلمين، فقد استغلّ بعض الجاهلين بطبيعة العقيدة الإسلامية ومبادئها وقيمها النبيلة هذه الأحداث لتشويه صورة الإسلام والمسلمين وكان لابد لنا من التواصل مع الرأي العام الغربي لتفنيد هذه الإتهامات وقد أكدتُ للإدارة الأمريكية وكل المسؤولين الغربيين الذين التقيتهم على الموقف العربي من هذه الأحداث والذي يستند إلى الحقائق التالية:

  • أولاً: إنّ العالم العربيّ يدين ويرفض الإرهاب بكل أشكاله وإنّ العقيدة الإسلامية بريئة من كل هذه الاتهامات الباطلة. فالإرهاب لا يرتبط بدين معين ولا بشعب دون غيره من الشعوب.
  • ثانياً: إنّ العالم العربيّ يرفض بشدّة أية محاولة لاستغلال هذه الأحداث لضرب أيّ قطر عربي أو تحميله المسؤولية عنها أو الوقوف وراءها كما أن محاولة الرّبط أو المقارنة بين هذه الأحداث وما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة أمر مرفوض ولا أساس له من الصحة.
  • ثالثاً: إنّ مكافحة الإرهاب في العالم ينبغي أن لا تقتصر على الأعمال العسكرية وحسب، وإنما لابدّ من إيجاد الحلول الجذرية والعادلة للعديد من المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها العديد من الشعوب، فالإحباط واليأس والفقر والشعور بغياب العدالة في أيّ مكان من هذا العالم يمكن أن تشكل بيئة خصبة لتفشي العنف والإرهاب.

أصحاب الجلالة والفخامة والسّمو،

إن إسرائيل تحاول أن تقنع العالم بأنّ أمنها سيظل مهدداً حتى لو توصلت إلى تسوية مع الأشقّاء الفلسطينيين بدعوى أن السلطة الفلسطينية غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها بسبب التدخل العربي في قراراتها وعلى ذلك فلا بدّ من التأكيد على التزام الجميع بقرار قمّة الربّاط عام 1974 الذي يتطلب منا جميعاً احترام ودعم قرارات السلطة الفلسطينية باعتبارها القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني وبدون التدخل في قراراتها أو التشويش عليها فهي أدرى بمصالح شعبها ومعاناته تحت الاحتلال.

وإنّ غياب الرئيس الفلسطيني عن هذه القمّة يتطلب منا جميعاً المزيد من الدعم والمساندة للأشقاء الفلسطينيين في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية. ولا بدّ لنا من التأكيد أيضاً على التزامنا جميعاً بقرار قمّة القاهرة 1996 والذي يعلن بوضوح أنّ تحقيق السلام العادل والشامل المستند إلى قرارات الشرعية الدولية ومرجعية مدريد ومبدأ استعادة الأرض مقابل السلام هو هدف استراتيجي للأمة العربية وأنّ عودة الحقوق والأراضي العربية المحتلة كاملة إلى أصحابها تضمن الأمن المتوازن والمتكافىء لجميع دول المنطقة بما فيها إسرائيل.

وقد جاءت مبادرة سموّ الامير عبد الله ابن عبد العزيز التي نؤيدها وندعمها لتشكل ركيزة أساسية لتحقيق السلام الشامل في المنطقة ونحن نرى أن هذه المبادرة تجسد حرص المملكة العربية السعودية الشقيقة الدائم والمستمرعلى دعم الأشقاء الفلسطينيين والدفاع عن حقوقهم وقضيتهم العادلة وبخاصة في هذه المرحلة الحرجة من نضالهم المشرف تحت وطأة الاحتلال والحصار والأعمال العسكرية الوحشية التي يمارسها الجيش الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل. كما أن هذه المبادرة تبعث برسالة واضحة للعالم كله بأن العرب يريدون السلام ويعملون من أجل تحقيقه لجميع شعوب المنطقة وأن إسرائيل هي التي تضع العراقيل أمام تحقيق السلام.

أصحاب الجلالة والفخامة والسّمو،

إننا إذ نبارك للبنان الشقيق برئاسة القمة العربية لندعو المولى عز وجل أن يوفقنا جميعاً لما فيه خير أمتنا وأن يعين فخامة الأخ الرئيس أميل لحود على مسؤولياته الكبيرة، مؤكدين لفخامته أننا لن نتوانى عن تقديم كل أشكال الدعم والإسناد والتعاون معه لإنجاح مهمته الجليلة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته