خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في مؤتمر القمة الآسيوية الإفريقية "تعزيز التعاون بين دول الجنوب لدعم السلام والازدهار العالميين"

خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في مؤتمر القمة الآسيوية الإفريقية "تعزيز التعاون بين دول الجنوب لدعم السلام والازدهار العالميين"

اندونيسياجاكارتا
22 نيسان/أبريل 2015

خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في المؤتمر الآسيوي الأفريقي في جاكرتا

بسم الله الرحمن الرحيم

فخامة الرئيس جوكوي،
أصحاب الجلالة والفخامة والسعادة،
الحضور الكريم،

شكراً لكم. واسمحوا لي، باسم الوفد الأردني، أن أعبر عن امتناني العميق لرئيس وشعب أندونيسيا. فما هذا اللقاء إلا دلالة على مساهمات أندونيسيا، التي لا تنقطع، لتعزيز التعاون والسلام ما بين دول الجنوب.

أصدقائي،
السلام عليكم. إنه لشرف لي أن أكون بينكم. فالشراكة بين دول الجنوب لها مكانة كبيرة في الوقت الراهن أكثر من أي وقت مضى، وهي محورية للأمن والاقتصاد العالميين. إن تراثنا مبني على التعايش والتضامن، والاحترام المتبادل، وهذا هو طريقنا نحو مستقبل يحفل بالأمن والسلام، مستقبل مبني على النمو والازدهار.

نلتقي اليوم في أكبر دولة مسلمة في العالم، إندونيسيا، وهي دولة بنيت على رسالة الإسلام السمحة، هذه الرسالة التي انتشر من خلالها الإسلام في هذه المنطقة، ليؤسس لتراث من الثروة الثقافية والتعاون التجاري والإقليمي.

وتشكل هذه المبادئ ذاتها، والمبنية على التنوع والانفتاح والتعايش السلمي، أواصر تربط المسلمين بمجتمعاتهم وجيرانهم في كل مكان. وكما يعلم الجميع، فالإسلام يدعو في تعاليمه إلى المساواة بين البشر والرحمة، واحترام كرامة الجميع، وحسن الجوار.

ونحن نقف اليوم جميعاً، المسلمين منّا وغير المسلمين، وقفة واحدة ضد قوى الشر. نحن نقف في وجه تلك العصابات الإرهابية من الخوارج، أولئك الخارجين عن الإسلام، ممن يستهدفون الدين الحنيف بأفكارهم المنحرفة. نقف وقفة رجل واحد، كما وقف كل الأردنيين مع صديقي رئيس وزراء اليابان، شنزو آبي، عندما هدد الإرهابيون حياة مواطنينا، حيث وقف شعبانا متوحدين عندما قتل الإرهابيون رهينتين بريئتين من اليابان ومقاتلنا الطيار الشهيد البطل. لقد تضامنا في تصدينا ضد الإرهاب، كما يجب علينا أن نتضامن دوماً لنتصدى له أينما كان، ليس فقط في سوريا والعراق، بل أيضاً في اليمن، وكينيا، وتونس، وليبيا، وسيناء، ومالي، ونيجيريا، والقرن الأفريقي، ودول آسيا وغيرها.

نشهد اليوم فرصة لنعزز ونحافظ على وحدة أراضي جيراننا وشرعيتهم. فأكثر أشكال العدوان ضرراً هي محاولات الدفع بأجندات سياسية إقليمية من خلال إذكاء نيران الصراع والشقاق بين البلدان والمجتمعات التي تمرّ في مرحلة من الاضطراب.

وعلى الشراكة بين دول الجنوب أن تساعد في معالجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يستغلها المتطرفون الذين يستهدفون الضعفاء. وعلى بلداننا أن تكون رائدة في إشراك الشعوب، وتوفير الفرص الجديدة للشباب، وإعطاء الجميع مكانتهم في مجتمع يعيش بسلام.

ومن شأن التعاون بيننا هنا في هذه القمة وما يتبعها أن يوفر آفاقاً جديدة للنمو الاقتصادي، والتنمية، وتوفير الفرص للجميع.

علينا أن ندرك أن الدول العشرة التي تستضيف العدد الأكبر من اللاجئين في العالم تقع في آسيا أو في إفريقيا. والأردن يعتبر الآن ثالث أكبر دولة مستضيفة للاجئين؛ إذ تعد المملكة ملاذا لِـ 1.4 مليون شخص فروا من العنف في سوريا. وهذه أعباء على مناطقنا أن تتحملها وتتخطاها معاً.

أصدقائي،
لقد انعقد مؤتمر باندونغ عام 1955 ليدعم حقوق الفلسطينيين. فمن كان يتخيل أنه وبعد مرور ستين عاماً، ما تزال فلسطين محرومة من حق إقامة دولتها؟

إن هذه الأزمة تخص العالم أجمع، فقد أدى الفشل في الحفاظ على مبادئ العدالة الدولية إلى غرس بذور الفرقة وعدم الثقة في جميع أنحاء العالم. وقد حان الوقت لنكمل العمل الذي بدأناه منذ زمن بعيد. فدعونا نعمل يداً بيد نحو حل عادل ودائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

أصدقائي،
لقد منح مؤتمر باندونغ قبل 60 عاماً صوتاً للدول التي نالت استقلالها؛ إذ أدى إلى تأسيس حركة عدم الانحياز ومبادئها الثابتة والقائمة على المساواة بين جميع الدول، واحترام حقوق وكرامة جميع الشعوب، والتعاون في سبيل التنمية، والإيمان بالعدالة العالمية.

لقد اختلفت مناطقنا إلى حد كبير عما كانت عليه قبل 60 عاماً، فقد حققت آسيا وإفريقيا العديد من الإنجازات الاستثنائية في تعزيز مفهوم السيادة السياسية والنمو الاقتصادي، لكن هذه المكاسب جلبت معها أيضا تحديات وتهديدات وتوقعات جديدة يبقى لمبادئ باندونع دور حيوي في مواجهتها.

وقد لعب التضامن الآسيوي الأفريقي دوراً حيوياً في الدفع ببلداننا إلى الواجهة ليصبحوا قوة يُشهد لها على الساحة الدولية، وعلينا أن نستثمر ذلك لنبني المستقبل الذي تتطلع إليه وتستحقه شعوبنا، مستقبل يجعل من هذا الإقليم منطقة سلام وازدهار توحد العالم وتغيره نحو الأفضل.

شكراً جزيلاً لكم.