خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في الدورة العادية الثامنة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة

خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في الدورة العادية الثامنة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة

الولايات المتحدة الأميركيةنيويورك
24 أيلول/سبتمبر 2013
(مترجم عن الإنجليزية)

بسم الله الرحمن الرحيم

السيد الرئيس،
السيد الأمين العام،
أصحاب الفخامة رؤساء الوفود،
أعضاء الجمعية العامة،

يشرفني أن أكون معكم اليوم. الرئيس آش، أقدم لكم التهاني على انتخابكم رئيسا للجمعية العامة. السيد الأمين العام، أتقدم إليكم بخالص الشكر على جهودكم القيمة دوما.

أصدقائي،
إن مستقبل الأمن العالمي سيتشكل بناء على ما يحدث في الشرق الأوسط الآن. ويمكن لمنطقتنا أن تكون، بل يجب أن تكون، بيتا للسلام والإزدهار، بوجود ركائز قوية من الحكم الرشيد، وفرص متاحة أمام الجميع، خصوصا لشبابنا. وهذا هو بيتنا الأردني الذي نعمل على بنائه، ونحن لسنا وحدنا في هذا الأمر.

لكن علينا أن نتذكر أنه لا يمكن بناء أي بيت للسلام والإزدهار في مدينة تحترق. واليوم، لا يمكننا تجاهل الحرائق في المنطقة، التي تمتد إلى العالم أجمع. ولذلك، ومن أجل حماية المستقبل، على العالم أن يتجاوب معنا في إخماد هذه الحرائق.

إن الأزمة السورية كارثة دولية على المستوى الإنساني والأمني، وتصاعد العنف يهدد بتقويض ما تبقّى من مستقبل اقتصادي وسياسي لهذا البلد. وقد سارع المتطرفون لتأجيج واستغلال الانقسامات العرقية والدينية في سوريا. ويمكن لمثل هذا الأمر أن يقوض النهضة الإقليمية، وأن يعرّض الأمن العالمي للخطر. وعليه، يترتب علينا جميعا مسؤولية رفض ومواجهة هذه القوى المدمرة.

استضاف الأردن، في الشهر الماضي، أكثر من مئة من أبرز العلماء المسلمين من جميع أنحاء العالم. وما أنجزوه خلال مؤتمرهم يؤكد على تعاليم الإسلام الحنيف الحقيقية، ويبني على المبادرات التي طالما أطلقتها المملكة لتعزيز الحوار بين الأديان، وبين أتباع الدين الواحد، وهي رسالة عمَّان ومبادرة كلمة سواء، وأسبوع الوئام العالمي بين الأديان.

لقد أجمع هؤلاء العلماء على أنه لا يوجد نموذج معياري واحد للدولة الإسلامية، لكنهم أكدوا أن الدولة الإسلامية الحديثة ينبغي أن تكون دولة مدنية قائمة على المؤسسات، وعلى دستور جامع يرتكز على سيادة القانون، والعدالة، وحرية الرأي والعبادة. كما أن الدولة الإسلامية الحديثة هي الدولة التي تدعم المساواة بين مختلف الأطياف العرقية والدينية. وقد أدان العلماء بحزم التحريض على الفتنة العرقية والطائفية، ووصفوا هذا الشر بما يستحقه من وصف، وهو أنه يشكل تهديدا يحدق بالأمة الإسلامية، والإنسانية جمعاء.

لقد دعا الأردن منظمة التعاون الإسلامي إلى تبني هذه التوصيات، التي تشكل مبادئ توجيهية غاية في الأهمية في خضم الاضطرابات والتحولات التي تعم منطقتنا. كما استضافت المملكة خلال هذا الشهر أيضا لقاء دوليا لمعالجة التحديات التي تواجه مجتمعات المسيحيين العرب، والتي تشكل جزءا أساسيا من ماضي منطقتنا وحاضرها ومستقبلها. وقد ظل الأردن نموذجا تاريخيا للتعايش والتآخي بين المسلمين والمسيحيين، وسنستمر في بذل قصارى جهدنا لحماية مجتمعات المسيحيين العرب والأقليات، وندعو جميع الدول إلى الانضمام إلينا في موقفنا الداعي للتنوع والتسامح واحترام الجميع.

وفي حقيقة الأمر، فإن الاحترام المتبادل بين الجميع هو سبيلنا للمضي قدماً. إن التحول التاريخي الذي تمر به منطقتنا الآن لن يصل إلى مبتغاه عبر الوصفات الجاهزة، وإنما عندما يشعر المواطنون جميعا بأنهم ممثلون تمثيلا حقيقياً. وبيتنا الأردني الذي نعمل على إعلاء بنيانه هو بيت المستقبل الجامع، الذي يقوم على أسس ومبادئ متينة من إجماع الأغلبية، وحماية حقوق الأقلية، والثقافة الديمقراطية المرتبطة بالمواطنة الفاعلة، والتغير السلمي التدريجي.

أيها الأصدقاء،
يجب أن يكون للشعب السوري مستقبل، ولتحقيق ذلك على المجتمع الدولي أن يتحرك. لقد حان الوقت لتسريع عملية الانتقال السياسي في سوريا لإنهاء العنف وإراقة الدماء، وإزالة خطر الأسلحة الكيماوية، واستعادة الأمن والاستقرار، والحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها، وإشراك جميع السوريين، وهنا أكرر جميع السوريين، في بناء مستقبل وطنهم.

لكن مستقبل سوريا سيعتمد على الشعب السوري لا غيره، وعلى المجتمع الدولي ومن مصلحته، تقديم المساعدة، وهو قادر على ذلك. ويجب أن تأتي المساعدة بشكل عاجل، حيث أن الأضرار والأخطار في تزايد مستمر. وفي الوقت الحالي، يشكل عدد اللاجئين السوريين، الذي تدفقوا إلى الأردن ما يعادل عشر عدد السكان. وهذا العدد قد يصل إلى المليون، أي ما يعادل 20% من عدد سكان المملكة بحلول العام المقبل. وهذه ليست مجرد أرقام، بل هي أعداد لأشخاص هم بحاجة إلى الغذاء والماء والمأوى وخدمات الصرف الصحي والكهرباء والرعاية الصحية، وغيرها. ولا يمكن حتى لأقوى الاقتصادات العالمية استيعاب هذا الطلب على خدمات البنية التحتية والموارد، ناهيك عن حدوث هذا الأمر في بلد ذي اقتصاد صغير يعد رابع أفقر دولة في العالم من حيث مصادر المياه.

أصدقائي،
كما هو عهدهم دائما، فتح الأردنيون أذرعهم واحتضنوا المحتاجين، لكنني أقول من على هذا المنبر وفي هذه اللحظة بأنه لا يمكن أن يتحمل شعبي وحده عبء ذلك التحدي الإقليمي والعالمي.

واسمحوا لي أن أعبر عن شكري وامتناني لما وجدناه حتى الآن من استجابة سخية من قبل الأمم المتحدة والجهات الدولية والإقليمية المانحة، لكننا جميعا نعلم في حقيقة الأمر أن الحاجة تفوق مقدار الاستجابة، وهناك ضرورة ملحة إلى مزيد من الدعم من أجل إيصال رسالة قوية بأن المجتمع الدولي يقف جنبا إلى جنب مع أولئك الذين يتحملون الكثير. أما من يعانون داخل سوريا فهم أيضا بحاجة إلى أن يكون العالم أكثر حزماً في إيجاد حل لقضيتهم، وعلى جميع الأطراف في سوريا الالتزام بالقانون الدولي الإنساني ومبادئه، والسماح للمساعدات الإنسانية أن تدخل إلى سوريا وتصل جميع المناطق لتأمينها للمحتاجين.

وعلى المجتمع الدولي أيضا أن يعمل معا من أجل إيجاد حل سريع للقضية الجوهرية في المنطقة. فقد استنزف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الموارد التي نحتاجها لبناء مستقبل أفضل، وهو نزاع يغذي نيران التطرف في جميع أنحاء العالم، وقد آن الأوان لإخماد هذا الحريق.

لقد أظهرت المحادثات التي بدأت في نهاية شهر تموز الماضي أنه من الممكن إحراز تقدم، من خلال وجود أطراف مستعدة للعمل، وقيادة أميركية جادة، ودعم إقليمي ودولي قوي. واسمحوا لي هنا أن نثني على رئيس دولة فلسطين ورئيس الوزراء الإسرائيلي لما اتخذاه من قرار جريء باستئناف مفاوضات الوضع النهائي، ونحثهما على الاستمرار بالتزامهما بالتوصل إلى اتفاق ضمن الإطار الزمني المحدد. وعلينا أن نؤكد أنه يجب ألا يكون هناك إجراءات تعرقل هذه العملية، وهذا يعني لا للاستمرار في بناء المستوطنات، لا لأي إجراءات أحادية الجانب من شأنها أن تهدد الوضع الراهن في القدس الشرقية، ومقدساتها الإسلامية والمسيحية. إذ أن من شأن تلك التهديدات أن تشعل فتيل مواجهة بأبعاد دولية.

نحن نعلم الطريق الصحيح الذي يجب أن نسلكه، ونعلم أنه بإمكاننا تحقيق الهدف، والمتمثل في تسوية عادلة ونهائية قائمة على حل الدولتين، ترتكز إلى الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية. وهذه التسوية ستمنح إسرائيل أمنا حقيقيا وعلاقات طبيعية مع 57 دولة عربية وإسلامية، وستمنح، بعد طول انتظار، الشعب الفلسطيني حقوقه التي يستحقها في دولة مستقلة قابلة للحياة على التراب الوطني الفلسطيني، وعلى أساس خطوط عام 1967 والقدس الشرقية عاصمة لها.

ومع تحقيق هذا السلام العادل المنشود استنادا إلى حل الدولتين، سينصب تركيزنا على ما سنقوم ببنائه من مجتمعات آمنة يعيش فيها الناس حياة طبيعية، وشرق أوسط ببيوت عديدة تعمل ضمن تعاون واسع في المنطقة، وهذا ما يضمن الأمن الأمثل لمستقبلنا.

أيها الأصدقاء،
المستقبل لنا لنبنيه، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل ضمن شراكة عالمية. وأولئك الذين يسعون لفعل الشيء الصحيح بحاجة إلى دعم العالم بأسره. فمع كل بلد نحقق فيه ازدهارا أكبر وحرية أوسع، ومع كل حي نجعله أكثر أمانا، ومع كل شخص نمنحه الأمل، نجعل بيت الإنسانية جمعاء أكثر أمنا. وعليه، فليكن هذا وعدنا، ليس لأجيال المستقبل فقط، بل لأجيال الحاضر التي نعمل من أجلها اليوم.

وشكرا لكم.