خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في افتتاح المنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في افتتاح المنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الأردنالبحر الميت
25 أيار/مايو 2013
(مترجم عن الإنجليزية)

بسم الله الرحمن الرحيم
بروفيسور شواب،
أصحاب المعالي والسعادة،
الضيوف الكرام،
أرحب بكم جميعا ترحيبا حارا.

نحتفل اليوم بمناسبة عزيزة على قلوب الأسرة الأردنية –– وهي الذكرى السابعة والستين لاستقلال الأردن. واسمحوا لي في هذه المناسبة الهامة، أن أتوجه برسالة خاصة لأبناء وبنات شعبنا الأردني.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

نجتمع اليوم والأردن يحتفل بأغلى المناسبات الوطنية، وهي مناسبة عيد الاستقلال، فكل عام والأردنيين والأردن بألف خير.

الاستقلال الذي ضحى في سبيله الرعيل الأول لتحرير الإرادة الوطنية، وبناء المستقبل الأفضل. الاستقلال الذي يجسد التضحية، والانتماء، وتحمل المسؤولية، لبناء الوطن، والحفاظ على أمنه واستقراره ومنجزاته، فكل عام والجميع بخير.

وبهذه المناسبة، أتقدم بالنيابة عن شعبي الكريم، لأرحب بكم جميعاً في الأردن.

أصدقائي،
ونحن نحتفل اليوم باستقلال بلدنا الحبيب، نحتفي أيضا بمواطنينا، في الماضي والحاضر، ونتطلع إلى المستقبل. ويسعدني أن تكونوا هنا اليوم معنا، فهذا المنتدى يؤكد على عمق الشراكة بين بلداننا جميعا.

من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي، تمتد بلداننا بشكل متواصل مثل عمود فقري قوي يصل بين طرفي العالم. وكما أن هذا العمود أساسي لجسم الإنسان، كذلك هي منطقتنا بالنسبة لهذا العالم.

إن قوة واستقرار منطقتنا في الأوقات العصيبة تجعل العالم أكثر أمنا. وقدرتنا  على التكيف والتقدم في أوقات التغيير، تحافظ على استمرار العالم في التقدم للأمام.  والخيارات التي نتخذها اليوم تحمل رسالة إلى العالم حول مستقبلنا المشترك.

أصدقائي، لقد أضحى الربيع العربي، ونداؤه لاحترام كرامة الإنسان، صوت القرن الذي نعيش فيه. وما العمل الجاد الذي يقوم به الملايين من شعبنا إلا دليل على أن سبيل التغيير السلمي الشامل أفضل من اليأس أو العنف.

إن هذا الأمر يدعو فعلا إلى الفخر. ولكننا لا نحتمل الوقوف دون تقدم، فالإصلاح والديمقراطية والسلام عمليات مستمرة لا تتوقف، فيما يتطلب التقدم أن نواصل التحرك والسير إلى الأمام.

كما أننا لا نستطيع أن نعمل وحدنا. صحيح أن لكل بلد من بلداننا تاريخه الخاص ومساره الفريد، إلا أن المستقبل الآمن والمستقر لنا جميعا يتطلب منا أن نسخر جميع إمكاناتنا، وأن ننسق فيما بيننا كي نصنعه.

إننا نمضي تاركين وراءنا حقبة تاريخية من التحدي الاقتصادي اتسمت بتباطؤ الاقتصاد العالمي، والاضطرابات الإقليمية، والتعافي البطيء في الاقتصاديات العالمية الكبرى. ولا تقتصر المهمة أمامنا على تحقيق التعافي فحسب، بل علينا تحفيز النمو من جديد. فالأزمة الاقتصادية الأكثر إلحاحا في منطقتنا - وهي البطالة بين الشباب - تتطلب منا اتخاذ إجراءات عملية، ومضاعفة جهود الإغاثة الفورية، لتلبية الاحتياجات العاجلة، ووضع استراتيجيات شاملة، تحقق معدلات نمو مرتفعة لتوفير الملايين من فرص العمل بالسرعة الممكنة.

إن هذه تحديات خطيرة، ولكنني أعتقد أن ثمة إمكانات هائلة في منطقة الشرق الأوسط  وشمال افريقيا، لا تساعدنا على حل مشاكلنا فحسب، بل وتدفعنا للتحرك إلى الأمام بقوة. فالمستثمرون الجادون في البحث، يجدون فرص استثمار حقيقية، لدخول الأسواق، وتنمية الأعمال، وتوفير فرص العمل.

كما أن القوة الدافعة للفرص الإقليمية تكمن في التوسع في الشراكة: فالإصلاح يمكّن الناس من بناء المستقبل الذي ينشدون، ويحرر بلداننا لتكون خلاقة، وتحقق أفضل إمكاناتها الإنتاجية.

هذا هو النهج الذي اختاره الأردن: نهج مدفوع بالتوافق وقائم على القانون، لتحقيق التغيير الشامل المستدام، الذي يحافظ على أمن الناس، ويحسن نوعية حياتهم.

وقد ساعدنا الربيع العربي على تكثيف هذا الجهد في مختلف المجالات. ونحن نحتفل اليوم بالذكرى السابعة والستين لاستقلال الأردن، وقد قطعنا شوطا مهما في رحلتنا المتجددة دوما.

أما في الجانب السياسي، فإننا نقوم بإرساء أسس حكومة برلمانية فاعلة وقائمة على أساس حزبي، يحميها دستورنا، وهو عماد الحقوق والقوانين النافذة في بلدنا. وفي كانون الثاني من هذا العام، شهدت الانتخابات النيابية واحدة من أعلى نسب الاقتراع في تاريخ الأردن، وحققت رقما قياسيا في المرشحين المتنافسين على المقاعد، ووصلت نسبة البرلمانيين الجدد إلى ستين بالمائة. كما جرت عملية تشاورية لاختيار رئيس الوزراء، وها هي تجربة أول حكومة برلمانية ماضية في طريقها.

والإصلاح الاقتصادي مستمر أيضا. ومن باب استجابتها للتحديات الاقتصادية - بما في ذلك أزمة طاقة لا يمكن توقع مسارها - وضعت الحكومة برنامج إصلاح وطني حظي بدعم دولي. وسيساعد هذا البرنامج اقتصادنا على النهوض بشكل أقوى مما كان عليه بعد اجتياز الاختبار الراهن.

إننا نسعى إلى النمو الشامل، الذي يعد مفتاحا لتوفير فرص العمل في الحاضر والمستقبل. ويدرك الأردن الدور المحوري للقطاع الخاص. فمنذ أكثر من عشر سنوات ونحن نعمل على إزالة المعيقات أمام المشاريع، وعلى الاندماج في الاقتصاد العالمي والإقليمي. ولدينا اتفاقيات تجارة حرة توصلنا إلى أكثر من مليار مستهلك. وقد استثمرنا في البنية التحتية والخدمات العامة، وفي أعظم وأعز ما لدى الأردن - في شعبنا. وقد التفتت شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وغيرها إلى قوانا العاملة الشابة الماهرة في شؤون التكنولوجيا، مما ساعد في جعل الأردن رائدا في المنطقة في هذا المجال.

وبالنسبة لبلد صغير محدود الموارد الطبيعية كبلدنا، فإن الانفتاح هو خيار استراتيجي. لكن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تستفيد من العمل معا، باتجاه توسيع الأسواق الإقليمية، وإدارة أفضل للبيئة، وتشجيع الابتكار والمشاريع. وهذا التعاون هو عماد النمو الشامل المستدام.

أصدقائي،
إن التعاون ضروري أيضا من أجل الأمن والسلام. لقد تقدمت الاقتصاديات الإقليمية في الفترة الأخيرة، وحققت نموا، على الرغم من الأزمات المحيطة بها. ولكننا لن نستطيع تسخير كامل موارد بلادنا لتحقيق حياة أفضل لشعوبنا، ما لم يتم التوصل إلى حلول للأزمات الإقليمية.

فلا بد من حل سياسي عاجل في سوريا، لوقف الانقسام الخطير في هذا البلد، ولحل أزمة اللاجئين المأساوية. يستضيف الأردن الآن ما يوازي 10 بالمئة من حجم سكانه من اللاجئين السوريين. وقد يتضاعف هذا الرقم بحلول نهاية هذا العام. ويشارك الأردنيون ضيوفهم في موارد المياه الشحيحة وغيرها. وبالنسبة للبلدان المستضيفة للنازحين والمستضعفين من السوريين سواء داخل أو خارج بلدهم، مثل الأردن ولبنان، فإن زيادة المساعدات الإنسانية من المجتمع الدولي أمر حيوي، لكن المطلب الأكثر إلحاحا يتمثل في وضع حد فوري للعنف، لكي يتمكن كل الشعب السوري من المساهمة في إعادة إعمار بلده.

ويجب علينا أيضا أن نعمل معا لمعالجة الأزمة الأساسية في منطقتنا - وهي الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. لقد زاد التطرف في كل مكان، ونما على هذه الأزمة. وقد حان الوقت لوقف تغذيته. إن مبادرة السلام العربية تحدد الطريق للمضي قدما. ويجب علينا الآن مساعدة الطرفين على المضي في المسار الصحيح. ويجب أن يتوقف بناء المستوطنات، وكذلك التهديدات التي تتعرض لها المدينة المقدسة ومواقعها الدينية. ويجب أن تستأنف المفاوضات بنية حسنة. ويمكننا، بل ويجب علينا، إبقاء هذه المسألة على رأس الأجندة الدولية.

بروفيسور شواب، الحضور الكرام،
اسمحوا لي أن أشكركم على صداقتكم الخاصة للأردن، ومنطقتنا بأسرها. لقد كان دعمكم أساسيا منذ أن أنطلق أول هذه المنتديات، هنا في منطقة البحر الميت، منذ عشر سنوات خلت.

أصدقائي،
لقد التقينا على مدى عشر سنوات وبنينا المستقبل معا، واحتفينا بالتغيير معا. وسوف تستمر شراكتنا.

إنني فخور بصورة خاصة بالشباب الأردنيين، ممن انضموا إلى هذه المنتديات على مر السنين – شباب وشابات حملوا صوت الجيل الجديد إلى الحوارات. فهؤلاء وأقرانهم من مختلف أنحاء المنطقة، الذين يعملون جاهدين من أجل عالم أفضل، هم عماد مستقبلنا.
 
دعونا نساعدهم ليكونوا أقوياء. هنا في هذا المنتدى، وفي الأيام القادمة، ستكون الأفكار الجديدة موضع ترحيبنا، وكذلك الشراكات والإنجازات الجديدة. ولتحقيق الازدهار، ولأجل السلام والعدالة والاندماج، يقف الأردن على أهبة الاستعداد للعمل معكم في كل خطوة على هذا الطريق.

شكرا لكم – وأتمنى للجميع عيد استقلال أردني جميل