خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني خلال لقائه رئيس وأعضاء مجلس الأعيان

خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني خلال لقائه رئيس وأعضاء مجلس الأعيان

الأردنعمان
30 نيسان/أبريل 2002

بسم الله الرحمن الرحيم

إخوتي الأعزاء يسرني أن أحييكم تحية المحبة والاعتزاز بكل واحد منكم ومن أسرتنا الأردنية الواحدة الكبيرة وخاصة في هذه الأيام التي نشارك فيها أهلنا وإخواننا الفلسطينيين معاناتهم تحت الاحتلال والحصار والقتل والتدمير وغيرها من آثار الهجوم الإسرائيلي على المدن والأراضي الفلسطينية وإنني أعرف يا إخوان أن كل مواطن أردني وكل أسرة أردنية لها أقارب أو أصدقاء بين أهلنا وإخوانا في فلسطين وعلاقتنا بأهلنا هناك هي علاقة الدم والأخوة التي تكون بين أبناء الشعب الواحد والأسرة الواحدة وبالتالي فإن معاناة أبناء الخليل هي معاناة أبناء الكرك ومعاناة أبناء نابلس هي معاناة أبناء السلط ونحن كلنا شرق النهر وغرب النهر شعب واحد وأسرة واحدة وأنا واثق أنه لا يوجد مواطن أردني وأولهم أنا شخصياً لا يشعر بالغضب الشديد لما يتعرض له أهلنا من قتل وحصار وتجويع.

وأنا يا إخوان وجدت أنه من الضروري والواجب أن أتحدث معكم اليوم وأضعكم بصورة ما يجري وعلى موقف الأردن وما نقوم به لدعم ومساندة أهلنا وإخواننا في هذه الظروف الصعبة. منذ بداية الهجوم الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية كنا نرى أن الهدف من هذا الهجوم هو تحطيم إرادة الشعب الفلسطيني وتدمير البنية التحتية لكل مؤسسات السلطة الفلسطينية وعزل القيادة الفلسطينية أو استبدالها بقيادة أخرى وتصوير الوضع في المنطقة على أنه مشكلة أمنية وبدون الحديث عن أسباب المشكلة الحقيقية وهي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ولذلك بادرنا على الفور إلى التحرك والاتصال مع الإدارة الأمريكية والدول الأوروبية والعالم العربي من أجل وقف هذا الهجوم وانسحاب الجيش الإسرائيلي فوراً من جميع المدن والأراضي الفلسطينية وبدون أي شروط وأكدنا للإدارة الأمريكية ولكل الدول التي قمنا بالاتصال معها على ضرورة ممارسة أقصى درجات الضغط على إسرائيل لوقف هذا الهجوم والانسحاب الفوري من الأراضي الفلسطينية أما مسألة القيادة الفلسطينية.

ودعونا نتكلم بصراحة كان هناك محاولة حقيقية لإستبدال الأخ أبو عمار وإنهاء دورة في قيادة الشعب الفلسطيني وكان لا بد من التأكيد لجميع الأطراف بأننا في الأردن وفي العالم العربي لا نعترف بأي قيادة للشعب الفلسطيني إلا بالقيادة الشرعية المنتخبة وعلى رأسها الأخ ياسر عرفات . وأن أي محاولة لاستبدال الأخ أبو عمار هي مؤامرة على الشعب الفلسطيني وستكون كارثة على المنطقة بأكملها. والحمد لله كانت جهودنا ناجحة في هذا الجانب وحدث أكثر من لقاء بين أبو عمار ووزير الخارجية الأمريكي . أما الموضوع الأهم فهو ما قمنا به للتأكيد على أن المشكلة في الأراضي الفلسطينية هي مشكلة سياسية وليست أمنية كما تحاول إسرائيل أن تصورها وأكدنا أيضاً لكل الدول المعنية بعملية السلام في الأراضي الفلسطينية والعربية أن الاحتلال الإسرائيلي هو أساس الصراع في المنطقة وأنه لا بد من العودة إلى المفاوضات ووضع جدول زمني لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وأن مبادرة سمو الأمير عبد الله بن عبد العزيز التي وافق عليها القادة العرب في بيروت هي ركيزة أساسية لتحقيق السلام الشامل والدائم في المنطقة.

أما الحديث عن مجرد رؤية أمريكية لقيام دولة فلسطينية دون وضع منهج جديد للتعامل مع هذا الموضوع وبدون آلية وجدول زمني فهذا غير كاف. ونتيجة هذه الجهود بدأت الولايات المتحدة والعالم بالتعامل مع المشكلة على أساس أنها مشكلة سياسية وليست أمنية وصار هناك حديث عن مسار سياسي إلى جانب المسار الأمني ونحن سنستمر في جهودنا هذه بكل قوة حتى يصل الأشقاء الفلسطينيون إلى حقوقهم وإقامة دولتهم المستقلة.

ودعونا نكون أكثر صراحة بعض الإخوان داخل الأردن أو في الخارج كانوا يطالبون بإغلاق السفارة الإسرائيلية أو طرد السفير. يا إخوان قلت قبل هذه المرة إذا قمنا بإغلاق السفارة أو طردنا السفير سيقوم الطرف الآخر بإغلاق الجسور وبهذه الحالة لن نتمكن من إدخال المساعدات أو التبرعات أو أي دعم مادي لأهلنا وإخواننا تحت الحصار وهذا معناه أن إغلاق السفارة أو طرد السفير ستكون له آثاره السلبية على أهلنا وأشقائنا أكثر من آثاره السلبية على إسرائيل. وبالفعل كان الأردن خلال الأسابيع الأخيرة المنفذ الوحيد الذي دخلت منه كل المساعدات الأردنية والعربية إلى إخواننا الفلسطينيين ومنها المستشفيات الأردنية الميدانية الموجودة في رام الله ونابلس وجنين والخليل.

ومن جهة ثانية يا إخوان إذا كان العالم العربي يسعى إلى تحقيق السلام مع إسرائيل والأطراف المعنية تفاوض إسرائيل من أجل الوصول إلى اتفاقيات سلام وإقامة علاقات طبيعية معها إذاً لماذا المزايدة على الأردن ومصر . وباختصار يا إخوان دعم أهلنا وإخواننا في فلسطين هو واجب على كل واحد منا . ونحن كلنا وبكل ما نستطيع مع أهلنا وأشقائنا في فلسطين ، لكن الذي يجب أن نعرفه جميعاً أن دعم أهلنا وأشقائنا ليس بجمع التبرعات أو بالمسيرات والمظاهرات فقط بل لا يا إخوان إن دعم أهلنا وإخواننا الأساسي هو في تحركاتنا واتصالاتنا واستخدام كل علاقاتنا مع العالم والتأثير على مواقفهم لدعم الحقوق الفلسطينية والعمل من أجل وضع حد للاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

مرةً أخرى يا إخوان تحية الاعتزاز بكم وبكل أخ وأخت من أسرتنا الأردنية الواحدة الكبيرة وكونوا على ثقة بأننا سنقف إلى جانب إخواننا الفلسطينيين بكل ما نستطيع ولن نتخلى عن واجبنا في دعمهم والدفاع عن حقوقهم تحت أي ظرف من الظروف وبارك الله فيكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته