الإصلاح أولويتنا

مقالة بقلم جلالة الملك عبدالله الثاني
صحيفة وول ستريت
16 نيسان/أبريل 2004
(مترجم عن الإنجليزية)

يميل المراقبون في الشرق الأوسط في هذه الأيام لإثارة هذا السؤال: من أين يتوجب أن ينبع الإصلاح في العالم العربي، من المنطقة أو يتم تحريكه من الخارج؟ إن القضية مهمة لكن السؤال ليس دقيقا تماما، فالحقيقة أن الإصلاح في منطقتي قد بدأ فعلا.

في هذه الأيام يوجد في كل أنحاء الشرق الأوسط، في مجالات المال والأعمال، الحكومة، الخدمات الإنسانية والتعليم- جيل جديد من القيادة المنتمية للقرن الحادي والعشرين، لا يحدده العمر بل التزام مشترك بالمضي قدما. إننا نؤمن بأن الحرية والتسامح أمران أساسيان إذا أريد الوفاء بالإمكانات البشرية. إننا نسعى إلى مؤسسات مدنية تحترم حقوق الإنسان، بما فيها المساواة بين الجنسين وحكم القانون. نعرف أن الحكم الشفاف والخاضع للمساءلة ضروري إذا أريد أن يسهم المواطنون في التغيير.

هذه الأفكار شحذت التفكير في كل أرجاء المنطقة، في عام 2002 أعد خبراء عرب بارزون تقرير التنمية البشرية العربية، مبينا "فجوات الحرية" الأساسية التي تجعل منطقتنا متخلفة عن إمكاناتها. وفي كانون الثاني الماضي تبنى الأردن ودول عربية أخرى "إعلان صنعاء" حول الديمقراطية وحقوق الإنسان. وأصدر مجلس الأعمال العربي المشكل من دول المنطقة، خطة للّبرلة الاقتصادية، الحكم الجيد، والتنمية البشرية. وفي الشهر الماضي أصدر مؤتمر عربي فريد "إعلان الإسكندرية"، مبينا إجماعه على الإصلاح.

يتفق معظم العرب على أن الإصلاح أمر حيوي. ونحن نعرف أيضا أن الإصلاح يحتاج إلى عمل: إجراءات عملية، تمس كل نواحي المجتمع. وقد وضع جورجيس سيورات مشاهد "تنقيطية" كاسحة تتكون من ملايين النقط الدقيقة. لكن تلك المحاولة لا تساوي شيئا بالمقارنة مع تفاصيل دقيقة تتعلق بإيجاد مشهد للإصلاح الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. إن تلك المحاولة الضخمة تشكل أحد الأسباب التي توجب أن ينبع الإصلاح الكفؤ من داخل مجتمعاتنا.

مثل هذه العملية تجري في الأردن بشكل جيد. هنالك إجراءات محددة تشجع الابتكار والريادة وشراكة جديدة مع القطاع الخاص. وفي مجال التعليم هنالك معايير جديدة للتميز عن السنوات السابقة، تعطي الشباب ما يحتاجونه من مهارات ضرورية ومعرفة. يتمتع الأردن حاليا بوجود قوة عاملة، بالنسبة للفرد، أكثر معرفة بالكمبيوتر وريادة الأعمال، وأفضل تعليما من معظم الدول النامية.

لا يمكن الحفاظ على الاستقرار طويل الأمد والنمو الاقتصادي دون إصلاح سياسي، وقد جعل الأردن هذا الأمر أول أولوياته. في العام الماضي أجرينا انتخابات برلمانية، والبرلمان الجديد قائم. لكن الانتخابات ليس سوى جزء من الحياة الديمقراطية، فالأنظمة المستقرة للحقوق المدنية والقوانين أساسية. ولدفع مسيرة مثل هذا الإصلاح، شكّل الأردن وزارة للتنمية السياسية ومركزا جديدا لحقوق الإنسان. ونحن نعمل من أجل تحسين المساءلة السياسية واستقلال القضاء وحقوق الإنسان. من أجل ضمان عدم تمييز القوانين ضد المرأة، فإن هنالك مراجعة قانونية جارية. كما أننا ألغينا وزارة الإعلام، ونحن نفكك سيطرة الدولة المباشرة على المؤسسات الإعلامية العامة، ووضعنا قوانين لفتح المجال أمام البث الإذاعي والتلفزيوني الخاص.

وكما أن معظم العرب يوافقون على الإصلاح فإنهم متفقون أيضا على أنه حتى ينجح الإصلاح، ينبغي أن ينبع من مجتمعاتنا. وسواء كان هنالك مبرر أم لا، فإن كثيرا من العرب لا يثقون بدوافع الإصلاح العربي الموحى به من الغرب، فهم ينظرون إلى تقليدهم الإسلامي الذي يعتزون به إزاء القيم الإنسانية، ويؤمنون بأن الدول الإسلامية أكثر من قادرة على إقامة أنظمة مسالمة ديمقراطية. إن الكرامة المتساوية لجميع الناس، احترام العقل والقانون، التسامح والمسؤولية الشخصية هي القيم الحقيقية للإسلام، وستحرك عهدا جديدا من التقدم في الشرق الأوسط.

حتى يكون الإصلاح كفؤا فإنه يستدعي غاية واضحة، تعد بتجسير الفجوات التي تواجه العرب في التنمية البشرية، الحرية، الفرصة العالمية والسلام الإقليمي. ولضمان رسوخ التغيير ودوامه لا بد أن يرافقه جهد إقليمي يحدد أهداف الإصلاح الرئيسية. وفيما أن القمة العربية القادمة ستؤيد الإصلاح، فإن اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي في أيار القادم سيوفر فرصة لا سابقة لها لطرح عملية تحدد رؤيا شرق أوسطية بحلول العام 2010 .

سيكون للإصلاح في الدول العربية أثر كبير ليس فقط في منطقتنا بل في العالم أيضا. من المتوقع في حزيران أن تستجيب قمة مجموعة الثماني للجهود شرق الأوسطية المبذولة بإصدار بيان يدعم عملية الإصلاح، بيان يمكن أن يساعد في التجسير بين الآراء العربية والغربية حول الإصلاح. ومن المهم أيضا أن يكون هنالك دعم فعال من جانب المجتمع الدولي للعدالة والسلام الإقليميين، بما فيه السلام والأمن للإسرائيليين والفلسطينيين وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. إن هذا الصراع المستمر بما يتصف به من دوامة سامة للعنف والانقسام، يجعل ملايين الناس في المنطقة يعتقدون أن العدالة العالمية الحديثة-عدالة العالم الديمقراطي الحر- قد فشلت. ولا شيء أكثر من هذا يعيق التنمية ويعزز التطرف. حتى ينجح الإصلاح فإنه لا بد من حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

سوف يستمر العمل الجاد لإصلاحيي اليوم، وعلى الذين يسعون إلى تقديم المساعدة أن يحلوا الآن القضية المحورية، قضية السلام في الشرق الأوسط.