مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع وكالة الأنباء الأردنية (بترا)

أجرى المقابلة: 
فيصل الشبول
For: 
وكالة الأنباء الأردنية (بترا)
12 كانون الثاني/يناير 2003

بترا: جلالة الملك، أود أولاً أن أبدأ بالقضية المطروحة للنقاش الآن في أوساط الشعب الأردني وهي "الأردن أولاً " فعندما طرح هذا الشعار حاول البعض الإيحاء بأنه نأي عن بعض الالتزامات القومية للأردن ما رأي جلالتكم؟

جلالة الملك: "الأردن أولاً" ليس شعاراً سياسياً، كما حاول البعض تفسيره، بل هو نظرة للمستقبل تشمل جميع مناحي الحياة بدءاً بتحسين الظروف المعيشية للمواطنين، وتطوير أداء الاقتصاد الوطني، وانتهاء بشعور كل إنسان أردني أنه جزء أساسي ومساهم في كل قضايا الوطن. أنا أريد من الأردنيين والأردنيات أن يحددوا ماذا يريدون من "الأردن أولا" وكيف يفهمونه، ومن ثم أن يتحاوروا فيما بينهم حول أردن المستقبل الذي يريدون لكي نعمل معا من أجل ازدهاره ورفعته وإيجاد الفرص الأفضل لكافة أبنائه وبناته في جو من الديمقراطية والتعددية والحرية المسؤولة.

الحقيقة عندما سمعت بنتائج أحد استطلاعات الرأي، والتي أشارت إلى أن 48% من المواطنين لا تعنيهم الانتخابات النيابية، شعرت بواجب أن أتوجه للشعب مباشرة، وأن أطرح عليهم أفكاراً للحوار، وأن أحفزهم على المشاركة وتحمل المسؤولية والتفاعل الإيجابي مع قضايا الوطن ... هذه مسألة أساسية، فكلما زادت نسبة المشاركين بالانتخابات كلما كان مجلس النواب المقبل أكثر تمثيلاً وقوة، وكلما ترسخت مسيرتنا الديمقراطية وتجذرت. ما يعنيني، في مناقشة موضوع "الأردن أولا" أن يحرص الأردنيون والأردنيات على المشاركة في صنع القرار، وفي صنع مستقبلهم والمساهمة في ازدهار وطنهم، وعلى صعيد شخصي، فإنني أتجاوز البعد السياسي لمفهوم "الأردن أولا"، وأرى أنه من الضروري أن يشارك الجميع في صياغة المستقبل، باعتزاز وبمشاعر الانتماء والعمل المخلص، فنحن نعمل من أجل بناء أردن قوي قادر على مساعدة نفسه، وبالتالي أمته، فالأردن القوي هو الأقدر على القيام بواجباته القومية وبدعم الأشقاء في فلسطين والعراق، ونحن كما قلت مرارا لن نتخلى أبدا عن دورنا وواجبنا القومي.

بترا: هل يتناقض التكوين القومي للدولة الأردنية وموقعها الجغرافي مع شعار "الأردن أولاً"؟

جلالة الملك: دعني أنا أوجه لك السؤال... هل عندما نؤكد أن "الأردن أولا"ً دعوة لتحقيق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، هل في هذا تناقض مع التكوين القومي للأردن؟ أنا أؤمن تماماً أن في قوة الأردن قوة للأمة جمعاء ... وأود أن أتساءل أيضاً عمن قدم لفلسطين والعراق أكثر مما قدمنا... نحن نقوم بواجبنا تجاه أشقائنا وندافع بكل ما نستطيع عن قضايا أمتنا. وندرك أيضاً المسؤولية التي تفرضها الجغرافيا علينا، ولكن علينا أن نستثمر ميزات هذا الموقع لبناء وطننا وخدمة أشقائنا معاً ... فلا يوجد تعارض بين أن تبني وطنك وأن تقف إلى جانب أشقائك.

بترا: هل عبرت مضامين الوثيقة التي أعدتها الهيئة الوطنية حول شعار "الأردن أولاً عما هدفتم إليه من خلال طرح هذا الشعار؟

جلالة الملك: ما أهدف إليه وأسعى لتحقيقه هو حصيلة ما يفكر به الإنسان الأردني، في المدينة والقرية والمخيم والبادية ولا سيما فئة الشباب التي أعول عليها الكثير، وما جاء في مضامين وثيقة الهيئة الوطنية للأردن أولاً يعبر عن جهد فكري وطني مسؤول، ويصلح أن يكون أرضية لحوار وطني بناء يشارك به الجميع.

لقد أثبتت الدراسات الميدانية، أن هموم الأردنيين والأردنيات بعيده عن أولويات الصالونات السياسية، وهذا يعكس وعي المواطنين لقضاياهم وأولوياتهم، فهم يدركون حجم الجهد الجماعي المطلوب لمعالجة قضايا البطالة وتدني مستوى الدخل، وهذا الأمر لمسته مؤخراً من خلال الحوارات التي بدأتها مع طلبة الجامعات، فكانت همومهم تتركز في تحسين ظروف معيشتهم وتأمين الوظيفة والمستقبل الآمن لهم ولأسرهم، وفي إفساح المجال أمام الجميع للتعليم والتأهيل والتدريب وتأمين فرص العمل والمشاركة في صنع القرار والتفاعل مع الأحداث أياً كانت، وهم يتطلعون إلى رعاية منا للإبداع والتميز، وهو ما نسعى له من خلال "الأردن أولاً".

بترا: في ضوء هذا الحوار الوطني هل تعتقدون أن هنالك جهداً وطنياً كافياً لتنمية الحياة السياسية وضمان مشاركة الجميع في تحمل المسؤولية؟

جلالة الملك: أرى أن الحوار الوطني انطلق الآن، وآمل أن يشارك به الجميع، فالحوار الذي أتطلع إليه هو بين جميع الأردنيين وليس بين هذه الجهة أو تلك، وبالتحديد ليس بين الحكومة والآخرين، فالحكومة هي طرف في الحوار ولكن أطرافه الأخرى هم جميع الأردنيين والأردنيات ومؤسسات المجتمع المدني والجامعات والمعاهد الدراسية.

إن التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لا بد أن يرافقها تنمية سياسية، ولكن التنمية السياسية لا بد أن تتشكل على أسس وطنية راسخة وبعيدة عن الاعتبارات الشخصية أو الإملاءات الخارجية.

بترا: هل أنتم راضون عن وضع الحياة الحزبية؟ أو َ ليس قانون الأحزاب هو أحد الأسباب الرئيسية في هذه الفوضى الحزبية إن جاز التعبير؟

جلالة الملك: بصراحة، ما لمسته من المواطنين أنهم غير راضين عن واقع الحياة الحزبية في الأردن في شكلها الحالي، وأنا واحد منهم، وقناعتي أن كل مواطن له الحق في الانتماء الى الحزب الذي يعبر عن توجهاته السياسية ضمن القانون، لكنني كالأغلبية من الأردنيين أتساءل هل هذا العدد من الأحزاب الذي يفوق الثلاثين حزباً واقعي؟ وهل تستقطب هذه الأحزاب جماهيرية كافية من حيث عدد الأعضاء ؟ ثم لماذا لا تتوحد الأحزاب المتقاربة في أفكارها ضمن تنظيم أو توجه واحد؟ فمثلاً أنا أقول أن الواقع الحزبي يتطلب ثلاثة أحزاب، وقد يرتأي آخرون أننا بحاجة إلى أربعة أو خمسة مثلا، المهم أن نتحاور ونتخذ القرار الديمقراطي الملائم.

وباختصار، فإن الأحزاب السياسية يجب أن تكون من أهم مؤسسات المجتمع المدني، وعليها مواكبة مسيرة التنمية والتطور التي يشهدها الأردن، ولكن الحياة الحزبية الأردنية في الوقت الراهن تجربة متعثرة، وإصلاحها لا يقع على عاتق السلطة التنفيذية وحسب، بل على الأحزاب ذاتها التي يجب عليها أن تتوصل إلى قواسم مشتركة تجعل منها أحزابا ذات مصداقية وثقل، تستقطب المواطنين وتتيح لهم المشاركة الفاعلة في الحياة العامة والاستثمار الأمثل لطاقاتهم في كافة الميادين، وهذا يتطلب أن تضع الأحزاب لنفسها برامج سياسية واقتصادية واجتماعية وطنية واقعية واضحة، وهذا بالفعل ما يسود في الدول العريقة بتجاربها الحزبية .

بترا: أول انتخابات نيابية في عهدكم، متى ستأمرون بإجرائها، وما هو الدور المأمول من الناخبين في الاختيار وما هو الدور المطلوب من البرلمان القادم؟

جلالة الملك: كما سبق وقلت قريباً جداً سنأمر بإجراء الانتخابات، وستحدد الحكومة موعداً لها لن يتجاوز النصف الأول من هذا العام ... ولكن كما أن موعد الانتخابات مهم، فإن من المهم أيضاً هو ماذا يريد الناخب الأردني من نائب المستقبل، وما هي مواصفات هذا النائب وبرامجه، وهل يلبي طموحات وآمال شباب وشابات الوطن؟

الانتخابات تأتي في مرحلة مهمة جدا من تطور الأردن، والمجتمع المدني عليه واجب المشاركة وواجب التفاعل مع كافة القضايا التي تهم الوطن وكذلك الجهاز التشريعي الذي له دور كبير في العملية التنموية وفي دفعها إلى الأمام. على الناخب المسؤول توقع برنامج كامل متكامل من المرشح... برنامج يُعنى بمتطلبات التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الأردن، على الناخب الأردني دراسة البرنامج الانتخابي للمرشحين، في مجالات توفير التعليم وفرص العمل والعيش الكريم والمستقبل الواعد، على أسس واقعية تترجم طموحات الشعب في أردن قوي حديث متقدم قادر على تلبية طموحات شعبه.

بترا: ماذا عن العراق، هل الحرب حتمية، ماذا تتوقعون لو وقعت وما مدى تأثيرها على المنطقة والأردن بالذات؟

جلالة الملك: إذا وقعت هذه الحرب -لا سمح الله- فهذه مشكلة كبرى، ولكن المشكلة الأكبر تتلخص في نقطتين أساسيتين أولهما: أن القضية الفلسطينية باتت تعيش ظروفاً بالغة التعقيد، ومن الممكن أن تؤدي الحرب في حال وقوعها إلى مزيد من التعقيد. وثانيهما: هي مرحلة ما بعد الحرب، التي لا يدرك أحد حجم المأساة التي ستخلفها سواء على الشعب العراقي أو على المنطقة بأسرها. وبالنسبة إلينا في الأردن، فأنا مرتاح للإجراءات المتخذة تحسباً لأي طارىء وعلى كافة الصعد ... وأنا لا أخاف على الأردن، لأنني أثق بشعبي، ولكنني أدرك مدى تأثير الظروف التي نعيشها على مجمل برامجنا لتطوير وتنمية أوضاعنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي الوقت ذاته فإننا نأمل أن يتجنب العراق الحرب، وأن تتم معالجة الموضوع العراقي من خلال الأمم المتحدة، لأن تداعيات الحرب خطيرة وآثارها جسيمه على الشعب العراقي، الذي طالما عانى كثيراً من الحصار المستمر منذ اثني عشر عاماً.

نتائج أي حرب هي سلبية وتأثيراتها كبيرة، ولذلك فنحن حريصون على استمرار تعاون العراق مع الأمم المتحدة والمفتشين الدوليين للحيلوله دون وقوع أزمة بين الجانبين تكون مبرراً للحرب المحتملة على العراق، وسنعمل باستمرار ومع الجميع للدعوة للحوار ولحل الأمور بالطرق السلمية وتفادي الحرب وتداعياتها.

بترا: الأوضاع في فلسطين تصل درجة الإحباط وغياب الأمل وتبدو الأمور إلى تدهور مستمر، هل ترون نهاية قريبة لهذا الألم ، وهل هنالك جهد دولي كاف لحل هذه القضية؟

جلالة الملك: الأوضاع الفلسطينية صعبة للغاية خاصة في ضوء تدهور الوضع المعيشي والصحي للمواطنين الفلسطينيين، واستمرار الممارسات الإسرائيلية، والعقوبات الجماعية التي تفرضها إسرائيل على الشعب الفلسطيني، ولا بد أن يتحمل الجميع مسؤولياتهم سواء القوى الدولية أم أطراف النزاع لإنهاء العنف ووضع حد للمأساة الإنسانية التي يعيشها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال مساعدة جادة من قبل القوى الدولية المؤثرة.

وللأسف، كلما كانت هناك بارقة أمل في التوصل إلى صيغة ما من المفاوضات تتعثر الأمور ونعود للمربع الأول... لا شك أن الشعب الفلسطيني والإسرائيلي، سئما حالة العنف والضياع ويرغبان بإنهاء هذه المرحلة المظلمة،وآمل من خلال البدء بتنفيذ ما جاء في خريطة الطريق، أن يكون الشعبان قد شقا طريقهما نحو سلام، ينهي حالة اليأس والإحباط والعنف والدمار، وسنستمر في بذل الجهود لمساعدة الشعب الفلسطيني، وتخفيف المعاناة الكبيرة التي يتعرض لها، مثلما سنستمر في تحمل مسؤولياتنا الوطنية والقومية والإنسانية، وأؤمن أن هذا الواجب هو في صلب مضمون "الأردن أولا".