مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع صحيفة لوفيغارو الفرنسية

أجرى المقابلة: 
شارلز لمبروسكيني
For: 
صحيفة لوفيغارو الفرنسية
28 أيلول/سبتمبر 2004

لوفيغارو: إنه المنعطف العظيم لدى الأميركيين. لقد باتوا الآن مستعدين لعقد مؤتمر دولي حول العراق وهو الأمر الذي نادت به عبثاً كل من فرنسا وروسيا منذ أبريل (نيسان) 2003. ما رأي جلالتكم في ذلك؟

جلالة الملك: رئيس وزراء العراق السيد أياد علاوي هو من يريد هذا المؤتمر الدولي. ونحن سوف نساند كل ما تريده حكومة بغداد، سندعم العراقيين في كل ما يريدون.

لوفيغارو: هناك انتخابات من المقرر نظرياً إجراؤها في يناير (كانون أول) القادم، ومن وجهة نظر واشنطن فإنها تمثل الخطوة الأولى على طريق عودة الأمور إلى طبيعتها في العراق. لكن هل سيكون من الممكن إجراء انتخابات في الوقت الذي تتشكل فيه على الأرض جمهوريات حقيقية شبه مستقلة - مثل الفلوجة - خارجة كلياً عن سيطرة الحكم المركزي؟ وفي الوقت الذي تواصل فيه المقاومة توجيه ضرباتها كل يوم في قلب بغداد؟

جلالة الملك: يبدو ان رئيس الوزراء علاوي عازمً على الوفاء بهذا الموعد، لكن بصفتي مراقباً من الخارج يبدو لي أن من المستحيل عقد انتخابات غير مثيرة للجدل في ظل الفوضى التي يعيش فيها العراق. وفي رأيي أنه لن يكون ممكناً عقد مثل هذه الانتخابات (في موعدها) ما لم تتحسن الأوضاع ويتبدل الوضع السياسي بقدرة قادر.

لوفيغارو: ألن ترتكز مصداقية هذه الانتخابات كذلك على التوازن السياسي الذي سوف تفرزه بين الغالبية الشيعية والأقلية السنية؟ إذا أفرزت قدراً كبيراً من انعدام التوازن هل سيكون حدا للقتال؟

جلالة الملك: إذا أجريت الانتخابات في ظل الفوضى الراهنة، فإن الفئة الأفضل تنظيماً ستكون جماعة المتشددين. ولا بد أن ينعكس ذلك على نتائج الانتخابات، في ظل هذا السيناريو لا توجد أية فرصة لحدوث تحسن في الأوضاع.

لوفيغارو: لقد صرح وزير الدفاع الأميركي أخيرا أنه سيظل من الممكن إجراء انتخابات في المناطق الأكثر هدوءاً في العراق. ألا ينطوي مثل هذا الطرح على استبعاد السنة، إذ أن منطقة تواجدهم هي الآن الأكثر اضطراباً، ما يؤدي بالتالي إلى تكريس تقسيم البلاد؟

جلالة الملك: إن هذا مصدر قلقنا. وأنا آمل بكل إخلاص أن يتحسن وضع الأمن في البلاد وأن يكون ممكناً إجراء الانتخابات ... على أن تتم على أرض العراق بكاملها.

لوفيغارو: ما هي الفرص المتاحة أمام العراق للخروج من هذه الفوضى؟

جلالة الملك: الوضع في غاية الصعوبة ولا أرى أي احتمال بحدوث تحسن في مستقبل قريب. وكما قلت، هناك فوضى تعم المدن وفي كل يوم يتسلل مخربون جدد عبر حدود يصعب جداً السيطرة عليها. لذا إن أعظم تحد يواجه رئيس الوزراء علاوي يتمثل في إعادة الاستقرار.

لوفيغارو: لكن كيف الوصول إلى ذلك؟

جلالة الملك: موقف الأردن واضح جداً بهذا الشأن: ينبغي التعجيل في إعادة استدعاء الجيش العراقي السابق إلى الخدمة ... ليس القادة الكبار بل الكوادر الوسطى مثل الضباط وضباط الصف الذين يملكون وحدهم العدد اللازم والقدرات المطلوبة لاستعادة النظام. لقد كان أكبر خطأ اقترفه الأميركيون هو تسريح قوات الأمن وتطهير الإدارات الحكومية من مئات آلاف الأعضاء في حزب البعث الذين كانوا يعملون في تلك الإدارات. وتقع المسؤولية في ذلك على عاتق المهاجرين - أمثال أحمد الجلبي - الذين عادوا إلى العراق في أذيال الجيش الأميركي والذين اعتقدوا أن حظهم الوحيد لفرض أنفسهم يكمن في إقصاء جميع رجال العهد البائد. لكن ما نتج عن ذلك هو أنه لم يتبق ثمة من هو قادر على فرض النظام وبالتالي على ضمان استقرار البلاد.

لوفيغارو: عند توليه السلطة في يونيو (حزيران) الماضي، أعلن رئيس الوزراء علاوي عن استراتيجية صريحة تعكس التصميم على تفتيت المقاومة، وكان يراهن على إمكانية استيعاب أولئك الذين عاودهم الحنين لعهد صدام إلى حظيرة المجتمع بقصد تعزيز الحرب ضد المهووسين الدينيين القادمين من خارج البلاد. لماذا أخفق في هذا المجال؟

جلالة الملك: المشكلة هي أن قوات الائتلاف لم تترك له قدراً كافياً من هامش المناورة. كان هناك قدر كبير من التدخل في استراتيجية يفترض فيها أن تكون استراتيجية عراقية بالمقام الأول. لنأخذ تشكيل قوات الشرطة والجيش مثالاً على ذلك. لقد أمضيت الجانب الأكبر من حياتي مرتدياً البزة العسكرية وأنا أجزم قاطعاً بأنه عندما يكون هناك تسرع في التشكيل، من المؤكد أن تتأثر بذلك قدرات المجندين. لابد أن تكون فترات التدريب أطول وقتاً وأكثر تركيزاً. أنا أدرك سبب تسرع الحكومة العراقية لكن إذا كانت الحكومة تلح على العدد فحسب، لن تحصل على الجودة المطلوبة.

لوفيغارو: ما هي إذن نصيحتكم للأميركيين؟

جلالة الملك: الحل الوحيد هو في عودة الخبراء من الجيش السابق. وباختصار كلما أسرعت الحكومة في إعادة تشكيل الجيش السابق، كلما تحسنت قدرات الجيش الجديد.

لوفيغارو: وما هي نصيحتكم لهم على الصعيد السياسي؟

جلالة الملك: في المجال السياسي أيضا، ينبغي على الأميركيين أن يتركوا للسيد علاوي قدراً أكبر من الحرية - سواء كان الأمر يتعلق بالإدارة السياسية اليومية أو بالمشروعات التي ستمثل التزاماً على العراق لفترة طويلة قادمة.

لوفيغارو: كيف تفسرون أن الولايات المتحدة، التي تمد الأردن بمساعدات سخية للغاية وهي صديق وحليف للأردن منذ زمن بعيد، تحظى بمثل هذه الصورة السيئة لدى المواطنين الأردنيين؟

طبقاً لاستبيان حديث العهد جرى نشره أخيرا في الصحف الأردنية فإن 87% من الأردنيين أعلنوا أنهم معادون للأميركيين؟

جلالة الملك: تفسير ذلك بسيط للغاية، يوجد لدى الرأي العام الأردني شعور عظيم بالإحباط. فعلى حدودهم الغربية، يشاهد الأردنيون عبر شاشات التلفزيون أن معاناة الفلسطينيين بمواجهة الإسرائيليين، هي في تصاعد مستمر. وعلى الجانب الآخر من الحدود، يلمسون معاناة العراقيين. وفي كلتا الحالتين، يعتبرون أميركا هي المسؤولة عن ذلك. الأردنيون يساورهم الغضب لأنهم يعتقدون أن سياسة واشنطن تنطوي على انحياز دائم ضد العرب.

لوفيغارو: لكن العرب أنفسهم ليسوا دائماً شديدي الرفق بعضهم ببعض. ماذا تقولون في أمر سوريا التي غضت الطرف عن تسلل إرهابيين من أراضيها إلى الأردن حيث كانوا يعدون العدة - طبقاً لما تقول أجهزة استخباراتكم - للقيام بهجوم كيماوي هائل؟

جلالة الملك: كثيراً ما أثرنا هذا الموضوع مع السلطات السورية. وبالنسبة لهذه القضية فإننا نحظى بدعم الرئيس بشار الأسد الذي أصدر تعليمات مشددة لأجهزته الأمنية. لكننا نلحظ أن هناك أشخاصاً عديدين ما زالوا يعبرون الحدود ويستهدفون بنيرانهم قوات الأمن الأردنية. يبدو أن حسن النوايا المعبر عنه في دمشق لم يجد له تجسيداً ملموساً على أرض الواقع حتى الآن.

لوفيغارو: يوجه الأميركيون نفس المآخذ لكل من سوريا وإيران إذ تتهمهما واشنطن بأنهما تتركان حدودهما مع العراق مفتوحة أمام كل المتشددين الإسلاميين الأجانب الذين يتطلعون إلى مقارعة "الصليبين"؟

جلالة الملك: إن تدفق هؤلاء المقاتلين ليس من نتيجته سوى مفاقمة عدم الاستقرار في العراق. لكنهم لا يجيئون قطعاً من الأردن.

لوفيغارو: مع ذلك، فإن الزرقاوي، الزعيم المفترض للقاعدة في العراق والذي تطارده القوات الأميركية منذ عدة شهور هو أردني الجنسية؟

جلالة الملك: لقد بدأ الزرقاوي حياته مجرما صغيرا ولم يكتشف التدين إلا منذ عهد قريب. ونحن نجهد بالتعاون مع حكومة بغداد والقوات الأميركية في تعقب أثره ونتطلع أن ينتهي الأمر بالحكومة العراقية إلى إلقاء القبض عليه في يوم قريب.

لوفيغارو: لقد قمتم بزيارة رسمية إلى طهران هي الأولى لعاهل أردني منذ سقوط الشاه عام 1979. هل ترون أن نظام الملالي جنح أخيراً نحو الاعتدال أم أنه على العكس من ذلك، ماض في التشدد إلى حد محاولة فرض نفسه على أرض الشرق الأوسط بمثابة البطل الحقيقي الوحيد في مواجهة إسرائيل؟

جلالة الملك: لقد شعرت بارتياح كبير في لقائي مع الرئيس خاتمي فهو شخصية لطيفة يتطلع لأن يوجه المجتمع الإيراني نحو مسارات الاعتدال. لكن السلطات الإيرانية تشعر أنها معرضة للتهديد من عدة جبهات على الساحة الإقليمية. هناك أولاً الأزمة العراقية التي تعتبر تداعياتها المحتملة لديهم ولدى جيرانهم أسباب قوية للقلق، كذلك تتخوف طهران من تنامي قوة الإسلاميين المتشددين الذين يسببون من الإزعاج للسنة المعتدلين بقدر ما يسببون للشيعة. كما أن القاعدة تمثل بالنسبة إليهم تهديداً يعادل ما تمثله بالنسبة للعرب المعتدلين، وأخيراً فإن شعور العداء بين إيران وإسرائيل ليس في سبيله إلى التلاشي سيما وإن الإيرانيين يجهزون أنفسهم الآن بصواريخ قادرة على الوصول إلى أهداف في إسرائيل.

لوفيغارو: قياساً على سابقة تدمير المفاعل العراقي عام 1981، قد لا يقاوم الإسرائيليون إغراء الانطلاق لقصف المنشآت النووية الإيرانية ربما بمباركة من واشنطن؟

جلالة الملك: آمل أن الأميركيين سيلجمون إسرائيل. إذا ضربت إيران، فإنها سترد الضربة ... والأردن واقع بين الجانبين، إن توجيه ضربة لإيران ليس من شأنه حل أية مشكلة. بالعكس، سوف يضاعف من عدم الاستقرار في منطقتنا.

لوفيغارو: هل يجد الأردن نفسه مهدداً بزعزعة استقراره بفعل التهديد الذي يمثله المتشددون؟

جلالة الملك: إن العالم كله هو ما يسعى المتشددون الإسلاميون إلى زعزعة استقراره ... الأردن كما فرنسا. ويجب أن نكون جميعاً على حذر وأن يحمي بعضنا بعضاً. إن الأردن له وجود على قائمة الأهداف لأن هذا الأمر، هو لسوء الحظ، من سمات الأمور في الشرق الأوسط. لكن، صدقني، إننا في مواجهة هذه المجموعات لا نتخذ موقفاً سلبياً على الإطلاق.

لوفيغارو: في بلدكم، الإخوان المسلمون أصحاب نشاط ملموس أكثر من غيرهم. كان عبد الناصر قد حظر وجودهم في مصر. أما في الأردن، فإن لهم 18 نائباً في البرلمان تحت مسمى "جبهة العمل الإسلامي". رغم ذلك، فإنهم لا يكفون عن ممارسة الضغوط.

جلالة الملك: تاريخياً حاول الإخوان المسلمون دوماً توسيع حد الأمور. لكني أرى - مثلما ترى ذلك الحكومة الأردنية - أن هناك حدوداً لن نسمح لهم بتجاوزها. فلا سبيل لأي عمل يخرج عن نطاق القانون. هذه الحدود فرضها الدستور. صحيح أن للإخوان نوابا في البرلمان، لكنهم سيظلون على عادتهم في الشكوى والمطالبة بالمزيد.

لوفيغارو: أرييل شارون عازم على إخلاء غزة. أما في الضفة الغربية، فإن تكاثر المستوطنات يهدد بتحويل المناطق الفلسطينية إلى مجموعة من جيوب "البانتوستانات" ما الذي يتبقى إذن من مشروع دولتين جنباً إلى جنب، إسرائيلية وفلسطينية؟

جلالة الملك: ما لم ينجح القادة الفلسطينيون في اتخاذ موقف موحد وما لم يتوصلوا إلى اتفاق على استراتيجية من شأنها المساهمة في إعادة إطلاق عملية السلام، فإن استنتاجك سيكون في محله. سيكون هناك لأول مرة سبب للارتياب في الحل القائم على دولتين اثنتين. لقد سقط الفلسطينيون، نتيجة للتصارع الداخلي فيما بينهم، في الشرك الذي نصبه لهم الإسرائيليون - أولئك الإسرائيليون الذين لا يكفون عن الحديث بأنهم لا يجدون شريكاً في مواجهتهم يتفاوضون معه حول السلام، لكنهم يواصلون تصعيدهم المشين لاحتلال الأرض الفلسطينية والعدوان على الشعب الفلسطيني. من هنا، ما لم يستقر رأي الفلسطينيين على وضع خطة حقيقية لبناء دولة مستقلة قابلة للحياة، أخشى أنه لن يكون هناك مستقبل للفلسطينيين في قادم الأيام.

لوفيغارو: أما يزال ياسر عرفات طرفاً في اللعبة؟

جلالة الملك: البدائل أمام عرفات بسيطة: إما أن يقرر تعزيز مؤسسات الحكومة الفلسطينية، أي رئيس الوزراء أحمد قريع وتوحيد الأجهزة الأمنية المتعددة تحت إمرة وزير الداخلية أو أن يفعل رئيس الوزراء ذلك بدلاً منه.

لوفيغارو: عندها يرحل عرفات إلى المنفى؟

جلالة الملك: من الذي سيقرر إبعاده إلى المنفى؟ لا أعتقد أن الإسرائيليين سيفعلون ذلك لأنه الرئيس المنتخب للشعب الفلسطيني. المسألة الأساسية هي إنشاء دولة فلسطينية. ومن الملح أن يقوم الفلسطينيون بتنظيم أنفسهم لضمان تحقيق هذه النتيجة.

لوفيغارو: ما الذي يستطيع أن يفعله مسلم معتدل على غراركم لإقناع الغرب بأن الإسلام لا يمكن اختزاله في هؤلاء المارقين الذين يخطفون الرهائن وهؤلاء الجلادين الذين يقطعون رؤوس الأبرياء؟

جلالة الملك: يجب أن تتحرك الغالبية الصامتة لدى المسلمين وتقرر أن تصرخ بصوت عال "كفى إلى هذا الحد"، إن الغرب يندد بالمسلمين المتشددين. بالنسبة لي، هؤلاء المتشددون ليسوا مسلمين حقيقيين. أناس مثل الزرقاوي لا يمكن لهم أن يدعوا الانتماء لله. ما يفعلونه هو من عمل الشيطان. لذا أكرر القول ينبغي على غالبية المسلمين أن يقفوا في وجه هؤلاء القتلة ويدينوهم. يجب أن يصرخوا بأعلى أصواتهم بأن ذبح الرهائن وقتل الأطفال في القفقاس هي أعمال فظيعة لا تعبر بأي شكل كان عن دين الإسلام.

لوفيغارو: طالما بقي أسامة بن لادن طليقاً، كيف السبيل لإقناع الغرب بان الإسلام ليس العدو؟

جلالة الملك: بالنسبة للغربيين في يومنا هذا، قد لا يكون جميع المسلمين إرهابيين لكن جميع الإرهابيين هم في نظرهم من المسلمين. لذا هناك خطر كبير أن يؤول الأمر إلى قيام رجل الشارع في العالم العربي ورجل الشارع في الغرب بإعداد العدة لحرب بين الثقافات.

الحقيقة هي أن الهدف الأول لأسامة بن لادن هو المسلمون المعتدلون. لكن من أجل أن يتولى السيطرة على الإسلام، يريد قبل ذلك أن يثير الشرق ضد الغرب.