مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع صحيفة الجمهورية المصرية

أجرى المقابلة: 
سمير رجب
For: 
صحيفة الجمهورية المصرية
22 كانون الأول/ديسمبر 2003

الجمهورية: العلاقات المصرية الأردنية وثيقة ومتطورة.. والتنسيق مستمر بين جلالتكم والرئيس حسني مبارك لما فيه صالح الشعبين والأمة العربية ومنطقة الشرق الأوسط.. وسمعت اليوم من السفير المصري في عمان أنكم تقدمون كل العون للجالية المصرية في الأردن وأيضا لًمست من سيادة الرئيس مبارك اعتزازه بكم، وأردنا باحتفال "الجمهورية" باليوبيل الذهبي أن يمر دون أن نلتقي بجلالتكم؟

جلالة الملك: أنا فخور بوجودكم هنا وكل الشكر لفخامة الرئيس مبارك ولدعم مصر للأردن ومساندة فخامته لنا وتوجيهاته السياسية التي ساعدتنا كثيراً بالنسبة لظروف وقضايا المنطقة... التنسيق بين الأردن ومصر مستمر ومتواصل دائماً وأنا أدرك أن لمصر الشقيقة الكبرى دورها الريادي في عالمنا العربي وفي كل قضية تمس أمتنا العربية، ومنذ اليوم الأول لتولي أمانة المسؤولية أدركت أهمية هذا الدور الذي تلعبه مصر على الساحتين العربية والدولية، فلم تنقطع لقاءاتي بالأخ الرئيس مبارك الذي أقدر له حكمته وشجاعته وواقعيته، وما زلنا على اتصال وتنسيق وتشاور معه، أود أن أشير أيضاً إلى أهمية العلاقة والتعاون بين القطاع الخاص في البلدين لدينا نموذج إيجابي مع القطاع الخاص المصري في هذا المجال بمدينة العقبة مثلاً وهناك خطط جديدة بإذن الله للتعاون بين الشركات الأردنية والمصرية... القطاع الخاص هو الذي سيبني المستقبل بين الشعوب، وإن شاء الله في المستقبل عندما نزور مصر تكون لنا لقاءات وزيارات متبادلة مع الفعاليات الاقتصادية المصرية لدفع التعاون الاقتصادي، وبالإضافة إلى العلاقات الثنائية بين البلدين كانت القضية الفلسطينية وقضية العراق نقطة مركزية في العلاقات بيننا، فالبلدان يشتركان برؤية واحدة في هاتين المسألتين، وكما تعلم كان للأردن ولمصر دوراً هاماً في إخراج خارطة الطريق إلى حيز الوجود، وفي تضمينها كافة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والتي كفلتها قرارات الشرعية الدولية. وما زال دعم البلدين المتواصل للخارطة مستمراً، حيث أن ما يهم مصر والأردن هو إخراج المنطقة من حالة التأزم ومساندة الشعب الفلسطيني في التحرر وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة... وهذا في الحقيقة ما نصت عليه خارطة الطريق، انسحاب إسرائيلي من الأراضي الفلسطينية وإقامة دولة مستقلة... هذه فرصة علينا جميعاً أن لا نضيعها، ومصر بثقلها السياسي في الوطن العربي لم تترك فرصة لإنجاح عملية السلام، والخطوات التي تقوم بها الآن خاصة رعايتها للحوار الفلسطيني وموضوع الهدنة يشكل دفعاً قوياً لجهود إحلال السلام.

الجمهورية: يلاحظ أن حجم التبادل التجاري بين البلدين في زيادة مستمرة؟

جلالة الملك: بالتأكيد وهناك على أرض الواقع المشروع الهام للغاز المصري، ولدي أمل أن بقية الدول العربية تحتذي بنموذج التعاون الأردني المصري، وبإذن الله سيتم مد مشروع الغاز إلى كل من سوريا وتركيا ولبنان، أنا على قناعة أكيدة أن التعاون في المستقبل لا يمكن أن يتحقق إلا بتقوية الجسور الاقتصادية بين الدول العربية، ومصر والأردن ستكون نموذجاً ومثلاً للجميع، وطريق الانفتاح السياسي والاقتصادي الذي انتهجته مصر والأردن سيفتح الطريق أمام الآخرين لمزيد من التعاون.

الجمهورية: هل جلالتكم كنتم تتوقعون لدى توليكم مقاليد الحكم هذا الحجم من التعاون من قبل مصر؟

جلالة الملك: الحمد لله لم أشعر منذ البداية بأي حاجز بل قطعنا أشواطاً للأمام بسهولة، وهناك علاقات خاصة ومتميزة بين مصر والأردن... وكل الشكر لفخامة الرئيس مبارك مرةً أخرى لأنه لعب دوراً مهماً في تمتين العلاقات بيننا.

الجمهورية: ألا ترى جلالتكم أنه من المهم أن يعتمد العرب على أنفسهم في المرحلة الحالية؟

جلالة الملك: بالتأكيد وهذا ما نحاول عمله في الأردن.. نحن مرتاحون لمواقف الإقليمية بالنسبة لقضيتي فلسطين والعراق.. وفي نفس الوقت نركز على وضعنا الداخلي وعلى تطوير الأردن وتحسين مستوى معيشة المواطنين، وقد بدأنا مرحلة جديدة من الانفتاح وإشراك المواطنين في عملية التنمية... في البداية كان هناك نقاش حول رؤية ما أطلق عليه بالحرس القديم والحرس الجديد، لكن الآن الكل يتعاون ويعمل من أجل مصلحة الأردن وبروح الفريق الواحد حتى نطور الأردن، لأننا جميعاً نؤمن بأهمية ترتيب بيتنا الداخلي حتى نتمكن من أداء دورنا في الإقليم والعالم.

الجمهورية: لكن جلالة الملك هل ما زال هناك حساسيات بين الحرس القديم والجديد؟

جلالة الملك: لا أبداً... نحن لدينا وجهة نظر للمستقبل أساسها أن يتعاون الجميع لصالح الأردن... لقد جرب الجميع التعاون والتحاور حول الظروف التي مرت بها منطقتنا، وهناك ثقة بين الجيلين.. وقد اتخذنا خلال السنتين الماضيتين نهجاً يقوم على التحاور مع الجميع مع الطلبة والنقابات والأحزاب والنواب حتى يشترك الجميع في مسؤولية مستقبل الأردن.

الجمهورية: إذن جلالتكم على تواصل مع الناس والجماهير دائماً؟

جلالة الملك: بالطبع هذا مهم جداً، أنا أريد أن أستمع إلى كل رأي ولمختلف وجهات النظر، وأسمع من الجميع ماذا يريدون في موضوع التعليم مثلاً أو الطب أو الاقتصاد والحريات الصحفية الخ...

الجمهورية: هناك تقارير صحفية تشير أن هناك لقاءا ثلاثيا بالإسكندرية بين جلالتكم والرئيس مبارك والرئيس الأسد؟

جلالة الملك: لم أسمع بهذا الأمر، وعلاقتنا بفخامة الرئيس على أعلى مستوى وهناك تشاور مستمر في كافة الأمور.

الجمهورية: تبذلون جلالتكم جهداً مقدراً لدعم الأخوة الفلسطينيين.. أين يقف الأردن من التطورات المتلاحقة التي تشهدها الساحة الفلسطينية حالياً.. وبالتحديد مبادرة جنيف وحوار الفصائل؟

جلالة الملك: الدعم للأخوة الفلسطينيين بالنسبة لنا في الأردن هو واجب ومسؤولية قبل أي شيء آخر، ولذلك فإن كل جهودنا منصبة في الجانب السياسي لحشد الدعم والتأييد الدولي لهم. وذلك عبر الاستمرار في دعم الجهود الهادفة إلى التوصل للسلام الذي يعيد الحقوق الفلسطينية ويؤدي إلى انسحاب إسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة ويرفع المعاناة عن الفلسطينيين، وما زلنا نرى في خطة السلام المتمثلة بـ"خارطة الطريق" فرصة لتحقيق ذلك، خاصة وأنها حظيت بدعم دولي وتأييد من مجلس الأمن الدولي أيضاً. هذا من جهة، ومن جهة أخرى بالنسبة لموضوع حوار الفصائل الفلسطينية، فنحن نؤيد مساعي مصر بهذا الشأن لأن وحدة الموقف الفلسطيني مهمة جداً، خاصة وأن القضية تمر الآن باستحقاقات تاريخية مفصلية في هذه المرحلة. أما عن موضوع مبادرة جنيف فقد أيدنا كل جهد يدعم التوجه نحو السلام، لكن كل ما نريده الآن هو التركيز على خارطة الطريق.

الجمهورية: قبل زيارتكم الأخيرة للولايات المتحدة التقيتم مع أحمد قريع في عمان.. واطلعتم على خططه إزاء عملية السلام.. واطلعتم أيضاً على الرد الأمريكي تجاه هذه الخطط.. وبناء على ذلك هل لديكم أمل في تطور إيجابي جديد تشهده العملية التفاوضية بين إسرائيل والفلسطينيين قريباً؟ وفي تصوركم ما هو المطلوب من حكومة قريع حتى تستطيع الولايات المتحدة مساعدة الشعب الفلسطيني في إقامة دولته؟

جلالة الملك: أنا متفائل دوماً... واعتقد أن الحراك السياسي الجاري حالياً سواء في واشنطن أو عواصم العالم الأخرى وهنا في الشرق الأوسط سيفضي في النهاية إلى جلب الأمل للفلسطينيين، صحيح أن الموقف الأميركي ما زال الأقرب إلى الموقف الإسرائيلي بالنسبة لعملية السلام... لكن الأميركيون كما أخبرونا ما زالوا ملتزمين بخطة "خارطة الطريق" وبرؤية الرئيس بوش بالنسبة لإقامة دولة فلسطينية تعيش إلى جانب دولة إسرائيل... وخلال زيارتي الأخيرة لواشنطن نبهت إلى أن الأمن والاستقرار والسلام لن يتحققا للشرق الأوسط بدون إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية. وأنا أرى أنه حتى لو نجح الأميركيون في العراق، وأقاموا نموذجهم الذين يسعون إليه في هذا البلد، فإنه بدون حل المشكلة الفلسطينية ستظل منطقة الشرق الأوسط بؤرة لعدم الاستقرار وللفوضى.

أعود لجزء من سؤالك حول المقترحات الفلسطينية التي عرضتها على المسؤولين الأميركيين... فهي تتعلق بوجهة النظر الفلسطينية إزاء الحل وهي مقترحات إيجابية ونحن مع الفلسطينيين فيما يتعلق بموضوع وقف الاغتيالات ووقف الاستيطان ووقف العمل أيضاً بالجدار الفاصل، هذا الجدار نعتبره هدم لعملية السلام، وعلى إسرائيل إذا أرادت التوجه نحو السلام أن تعيد النظر بهذه المسائل الثلاث.

والموقف الأميركي الذي لمسته مؤخراً أنهم "أي الأميركيون" ما زالوا مصرين على معالجة حكومة أبو علاء للملف الأمني بكل جوانبه، ولهذا نحن أكدنا على أهمية مساعدة ودعم حكومة أبو علاء، حتى يتسنى لها معالجة الملف الأمني والسيطرة الكاملة أمنياً وإدارياً على الأراضي الفلسطينية، وعلى الإسرائيليين مسؤولية أيضاً في مساعدة أبو علاء على تنفيذ مهام حكومته، فلا يمكن له السيطرة الكاملة على الوضع دون أن تتم عملية وقف الاغتيالات والتخفيف من أعباء نقاط التفتيش والملاحقات الأمنية المتواصلة ضد الفلسطينيين، وهنا لا بد أن أوضح حول ما نشر في إسرائيل عن تطبيق أُحادي لخارطة الطريق بأن أي تطبيق لبنود الخارطة يجب أن ينسجم مع ما ورد فيها كاملاً، حيث أن أهم ما ورد في بنود الخارطة هو الاتفاق والتنسيق بين الطرفين على تنفيذ الالتزامات المترتبة عليهما.

الجمهورية: توقفت بعض الأوساط أمام تصريحكم الأخير حول ضرورة قيام الرئيس السوري ببذل مزيد من الجهد لضبط منطقة الحدود السورية مع العراق.. خصوصاً أن هذا التصريح صدر خلال زيارتكم للولايات المتحدة.. هل لهذا التصريح تأثير على علاقتكم بدمشق.. وكيف استقبلته القيادة السورية؟

جلالة الملك: من جانبنا ليس هناك موقف إزاء الأخوة السوريين... وبالعكس لم أترك في كل لقاء مع المسؤولين في الغرب أو في مقابلات صحفية فرصة إلا وتحدثت فيها عن أهمية دعم الموقف السوري والرئيس بشار الأسد في مساعيه لتحقيق المستقبل الأفضل لشعبه نحن اليوم أحوج إلى مزيد من التعاون والتكاتف بين الدول العربية... ولنترك أسلوب الحملات الإعلامية للماضي.

الجمهورية: العلاقات الأردنية الإيرانية تشهد حالياً تطوراً ملموساً.. خاصة بعد إشادتكم بالدور الإيراني في ضبط منطقة الحدود بين الأردن والعراق.. ما مردود هذه العلاقات الطيبة مع إيران على علاقتكم بكل من سوريا والولايات المتحدة؟

جلالة الملك: لقد زرت إيران مؤخراً وأجرينا مباحثات إيجابية جداً مع الرئيس الإيراني محمد خاتمي ومع مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي... وهناك تعاون وثيق بيننا في المجالات السياسية والاقتصادية.. أردنا من هذه الزيارة توثيق العلاقات وزيادة حجم التعاون، لأننا نرى أن إيران دولة إسلامية جارة ومهمة ويجب أن يتفهم العالم دورها وموقفها... ونحن لا نرى أن تعزيز علاقاتنا مع إيران أو مع أي دولة أخرى يتعارض أو يتقاطع مع علاقاتنا مع الآخرين.. بل على العكس نرى أن علاقاتنا مع هذا البلد المسلم ستكون دعماً لاستقرار المنطقة وللسلام العالمي.

الجمهورية: هل حصل الأردن على نسبة مرضية من عقود إعادة تعمير العراق تتناسب مع العلاقات التاريخية التي تربط بين البلدين والشعبين الشقيقين؟

جلالة الملك: هناك تعاون بين البلدين، وقد تركنا للقطاع الخاص حرية التحرك باتجاه العراق والتنافس للحصول على عقود إعادة إعماره، واعتقد أن العلاقات التاريخية بين البلدين وبحكم الجوار فإن الأمر يقتضي وجود تعاون وثيق حول مسألة إعادة إعمار العراق... وفي هذه النقطة بالذات، نحن نرى أنه كلما أسهمنا في بناء المؤسسات العراقية، فإننا نساهم في الإسراع في تمكين العراقيين من تولي إدارة شؤونهم بأنفسهم وإنهاء الاحتلال الأجنبي، ومن أجل هذا وافقنا على تدريب أفراد من الشرطة العراقية وقيادات وضباط الجيش العراقي لتمكين العراقيين من حكم أنفسهم وتولي إدارة شؤونهم.

الجمهورية: إلى أين انتهت التحقيقات التي أجريت حول تفجيرات السفارة الأردنية في بغداد؟

جلالة الملك: هناك معلومات متضاربة حول هذه المسألة، والتحقيق مستمر في هذا الموضوع... لكن كما تعلم العراق أصبح الآن مكاناً للعديد من الحركات الإرهابية التي لا تريد استقرار العراق وتستهدف يومياً المدنيين والشرطة العراقية... وأنا أرى أن ضرب السفارة الأردنية ببغداد جاء بهدف تقويض استقرار وأمن العراق والمسّ بالأردن أيضاً.

الجمهورية: كيف ينظر الأردن لما يجري الآن على أرض العراق من مواجهات ومصادمات يومية... وكيف ـ برأيكم ـ يمكن حل المشكلة العراقية... وإنهاء الاحتلال؟

جلالة الملك: حل المشكلة العراقية يكمن في إنهاء الاحتلال... ولكن لنجاح ذلك لا بد من تمكين الشعب العراقي من بناء المؤسسات العراقية ومن انتخاب حكومة وطنية عراقية قادرة على تمثيل جميع العراقيين بكل مجموعاتهم وطوائفهم، والكلمة الأولى والأخيرة يجب أن نعطيها للعراقيين في مسألة بناء مستقبلهم واختيار شكل الحكم الذي يريدون.

الجمهورية: ما رأيكم في الدعوات التي تأتي بين يوم وآخر من واشنطن حول نشر الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي.. وهل يصلح العراق ـ وفقاً للسيناريو الحالي ـ أن يكون النموذج الديمقراطي الذي يتطلع إليه ويحتذيه العرب والمسلمون؟

جلالة الملك: العرب أولى بإصلاح بيتهم من الآخرين... لكن يجب أن نتحرك بأنفسنا باتجاه مزيد من الانفتاح السياسي والديمقراطية... فالديمقراطية أصبحت للأسف الشماعة التي يريد الغرب أن يعلق عليها مبررات تدخله في شؤون العالم العربي... وللأسف أيضاً البعض ما زال يعتقد أن الديمقراطية حركة معادية لمصالح الشعوب، نحن نرى أن الديمقراطية لا تتحقق بين يوم وليلة بل إنها عملية مستمرة وتمر بخطوات ومراحل عديدة، لكننا في الأردن قطعنا شوطاً كبيراً في هذا المجال وبدأنا خطوات جادة للبناء على ما حققته مسيرتنا الديمقراطية، وذلك من خلال تحقيق تنمية سياسية واقتصادية واجتماعية شاملة هدفها مشاركة الجميع في تطوير الأردن وبنائه، لقد حرصت دائماً على ضرورة إشراك كافة قطاعات المجتمع وخاصةً الجيل الجديد في تحمل المسؤولية وفي صنع المستقبل، وبالفعل أجرينا سلسلة حوارات حول مستقبل الأردن يشارك فيها الجميع بفاعلية وانفتاح وتناقش خلالها مختلف القضايا التي تهم المجتمع ومستقبل بلدنا، لا يهمنا ما يريده الآخرون من بناء نماذج ديمقراطية... نحن نهتم بما يريده شعبنا وهي مسؤولية كبيرة علينا، ولا نتخذ ما يجري في المنطقة مبرراً للتأخر عما نريد تحقيقه من أجل شعبنا ومستقبل الجيل الجديد، في هذا العام أجرينا انتخابات نيابية وقد سررنا لمشاركة نحو 60% من المواطنين فيها، وهي خطوة على طريق تعزيز البناء الديمقراطي والإصلاح، أما بالنسبة للأميركيين فهم يقولون أنهم يريدون بناء نموذج ديمقراطي في العراق وأنا اعتقد أن هذا شأن يهم الشعب العراقي... وما يقبله العراقيون سندعمه ونؤيده.

الجمهورية: تُفاجئنا بعض الأوساط الإسرائيلية بين الحين والآخر بالإعلان عن مشاريع للتعاون مع الأردن لإنشاء قنوات أو خطوط مواصلات تكون بديلة أو منافسة لقناة السويس.. هل عرض على الأردن شيء من هذا؟

جلالة الملك: هذا سؤال مهم جداً بعض الإعلاميين العرب للأسف لم يتفهموا ما المقصود مثلاً بالقناة التي تصل البحر الميت بالبحر الأحمر... هذا المشروع بالدرجة الأولى هو مشروع بيئي للحفاظ على البحر الميت من الزوال نتيجة انخفاض منسوب مياهه بمعدل متر سنوياً، فقد انخفض مستوى البحر الميت منذ سنة 1970 من 390م إلى 410 أمتار تحت سطح البحر، وبموجب هذا المشروع سيتم جر المياه بين البحرين بواسطة حفر قناة في بعض الأماكن وأنابيب في بعضها الآخر، والقناة من الناحية الفنية لا يمكن إطلاقاً أن تصلح للملاحة البحرية فهي لا يتعدى عرضها في بعض المواقع ثلاثة أمتار، ثم أن المياه ستجري في بعض المواقع الأخرى من خلال أنابيب، وهذا المشروع كما ذكرت مهم جداً بالنسبة للأردن وفلسطين وإسرائيل أيضاً... ونحن مصممون على تنفيذه بمساعدة عالمية ومن البنك الدولي كذلك، من غير المعقول أن يفكر أحد أن قناة بعرض ثلاثة أمتار وفي أجزاء منها أنابيب أن تشكل منافسة لقناة السويس... والحديث عن ذلك لا يدخل في باب المنطق أبداً، وأنا آمل أن يحظى هذا المشروع بدعم عربي ودولي لأنه سيحافظ على البحر الميت من الزوال وسيساعد الدول الثلاث المتشاطئة على البحر الميت في تحلية مياه تقدر بحوالي 850 مليون متر مكعب سنوياً، إضافة إلى أنه سيتم إنشاء قدرة توليدية كهربائية بحدود 550 مليون ميغا واط.

الجمهورية: ماذا عن رأي جلالتكم فيما يطرح من مقترحات حول تطوير الجامعة العربية.. وكيف تنظرون لمستقبل العمل العربي المشترك؟

جلالة الملك: بصراحة... الجامعة العربية وميثاقها بحاجة إلى إعادة نظر ونحن لا نقول ذلك من باب انتقاد الجامعة العربية أو تقويض دورها، بالعكس نحن نعتبر أن تطوير عمل الجامعة سيشكل دفعاً وتعزيزاً للعمل العربي المشترك ولمساعي الشعوب العربية نحو الوحدة ومزيد من التعاون.

الجمهورية: بعد إلقاء القبض على صدام حسين.. لا بد وأن معادلات كثيرة قد تغيرت وسوف تتغير... هل ترى جلالتكم أن ما حدث كفيل بإعادة الاستقرار للعراق... أم العكس... وهل تعتقدون أن طريقة القبض على صدام تحمل بالفعل مؤشرات إهانة للعرب إلى جانب كونها رسالة للجميع؟

جلالة الملك: اعتقد أن المعادلات تغيرت منذ 9 نيسان بعد سقوط بغداد وليس بعد اعتقال صدام.. لكن إلقاء القبض على الرئيس العراقي السابق سيعني بالنسبة للعراقيين ولقوات التحالف مرحلة جديدة، ونحن نأمل أن يشكل ما جرى خطوة على طريق تسريع انتقال السلطة للعراقيين وزوال الاحتلال وبناء العراق الجديد الذي يكون لكل العراقيين بكل فئاتهم ومجموعاتهم وألوانهم السياسية.

الجمهورية: فجأة ودون سابق إنذار.. أعلنت ليبيا أنها قررت التخلص من برنامج أسلحتها النووية.. ثم تبين أن مفاوضات سرية قد جرت على مدى تسعة شهور بين طرابلس.. وكل من واشنطن ولندن حتى تم التوصل إلى الاتفاق... في رأي جلالتكم ما دلالات الموقف الليبي... وهل بالفعل هي خطوة لعودة ليبيا للمجتمع الدولي كما قالت أمريكا وبريطانيا.. أم أن ليبيا لا تريد أن يتكرر معها نفس ما حدث مع العراق؟

جلالة الملك: هذا قرار مهم ونأمل أن يشكل خطوة على طريق نزع أسلحة الدمار الشامل من منطقة الشرق الأوسط بأكملها.. بما في ذلك إسرائيل.. لقد طالبنا دائماً بالتخلص من جميع الأسلحة المحظورة في المنطقة لأننا نريد لشعوب منطقة الشرق الأوسط أن تركز على التنمية وعلى تطوير بلدانها، وأنا أرى أن الاتفاق الذي جرى بين ليبيا وواشنطن ولندن سيعني عودة ليبيا للمجتمع الدولي وإزالة التوتر الذي ساد بينها وبين الغرب لسنين عديدة، ونأمل أن يفتح هذا الموضوع صفحة جديدة في تاريخ ليبيا مع العالم أيضاً، لو وفرت بعض الدول الأموال الطائلة التي أنفقتها على إنتاج أسلحة محظورة لم تستخدم وتم استخدام هذه الأموال في تطوير هذه البلدان وفي تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لرأينا بالتأكيد أننا نعيش في عالم أفضل.

الجمهورية: سؤال أخير جلالة الملك، هل يمكن أن توجه كلمة لجريدة الجمهورية ولقرائها بمناسبة احتفالها بيوبيلها الذهبي... أي مرور 50 عاماً على إنشائها؟

جلالة الملك: أهنىء صحيفة الجمهورية من كل قلبي باليوبيل الذهبي وأهنئك وجميع العاملين فيها على حرصكم على بناء إعلام حر ومسؤول ومتزن، وعلى خدمة الشعب المصري الشقيق وقضايا الأمة العربية والإسلامية. صحيفتكم منذ إنشائها وترؤس الرئيس الراحل أنور السادات رئاسة تحريرها لعبت دوراً مهماً في خدمة قضايا العرب والمسلمين، فكل التهنئة والتبريك لكم جميعاً ولقراء الصحيفة.