مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع شبكة الـ سي. إن. إن.

أجرى المقابلة: 
كريستيان امانبور
For: 
شبكة سي. إن. إن.
27 نيسان/أبريل 2003

سي. إن. إن.: جلالة الملك شكرا لانضمامك الينا. مضت بضعة اسابيع على انتهاء الحرب، هل تعتقد الآن انها كانت حربا عادلة؟

جلالة الملك: لو نظرت الى الامر من وجهة نظر عراقية فأعتقد ان العراقيين يشعرون بالارتياح لزوال نظام صدام في العراق. إلا ان المشكلة الآن هي إلى اي مدى سيكون لهم رأي في مستقبلهم؟ ومدى سرعة التقدم في ذلك؟

سي. إن. إن.: ما رأيكم في هذا؟ فقد كانت هناك افكار كثيرة متعددة حول مدة بقاء القوات الأميركية هناك وكم من الوقت ستحكم الادارة الأميركية البلاد؟ ما الذي تأملون انتم وبلدكم في ان يتحقق هناك؟

جلالة الملك: ما نأمله في الاردن، وهو ما أعرب عنه رئيس الوزراء بلير والرئيس بوش، هو ان يكون للعراقيين الكلمة الجوهرية في اسرع وقت ممكن وتمثيل قوي في حكومة انتقالية تؤدي في نهاية المطاف الى حكومة مستقبلية.. والوقت هو الحاسم.

سي. إن. إن.: ما مدى تحقق ذلك على أرض الواقع؟ هل ستبقى القوات الأميركية شهرين ام عامين او ما بينهما ما رأيكم؟

جلالة الملك: لسوء الحظ أعتقد ان الحاجة على ارض الواقع تتطلب وقتا اطول مما يرغب فيه اي طرف لانه لا بد من اعادة فرض النظام الامني ولا بد من ايجاد العراقيين المناسبين لملء تلك المناصب بأسرع وقت ممكن. بالاضافة إلى مشاركة المجتمع الدولي. وهو امر لا يتحقق بين عشية وضحاها.. فالاجراءات العملية على ارض الواقع ستستغرق وقتا لتحقيقها.

سي. إن. إن.: لنعد قليلا الى فترة ما قبل الحرب.. اعربت عن رأيك الصيف الماضي بأن الحكومة الأميركية اتخذت قرارا بالحرب.. كما انك استقبلت مبعوثين من صدام حسين كيف تفسر تلك التحركات؟

جلالة الملك: استقبلنا عددا من كبار مسؤولي الحكومة العراقية مثل طه ياسين رمضان وعزت ابراهيم ووزير الخارجية وفي كل مرة نقلوا لي رسالة من صدام يطلب رأيي فيما يمكنهم عمله لحل المشاكل مع الامم المتحدة والمجتمع الدولي. وكنت واضحا فيما يتعلق بما هو مطلوب منهم. وفي كل مرة قال لي المسؤول العراقي انه لا يستطيع قول ذلك لصدام.. فأجيب" ما الذي جاء بك إذن؟ اذا لم تتمكن من نقل الرسالة الى القيادة فأنتم تهدرون وقتكم ووقتنا " وهكذا بدأت ارى من الجانب العراقي انهم افتقروا الى رؤية للتعامل مع المجتمع الدولي لتجاوز الازمة.

سي. إن. إن.: لنتحدث عن المستقبل.. فهناك قلق كثير في العالم العربي حول من سيكون التالي. فكان العراق اولا. فمن سيتبعه هل تشعر بهذا القلق؟

جلالة الملك: كلا. هناك بالفعل قلق واحباط وتشكك في الشارع العربي. ولكنني لا اعتقد ان احدا سيكون التالي على القائمة. ان كان هناك شيئا تاليا فهو المسألة الفلسطينية-الاسرائيلية. وهو ما سيؤثر فينا جميعا لانها القضية الاساسية في كل مشاكل الشرق الاوسط.

سي. إن. إن.: خريطة الطريق التي قال الأميركيون انهم سيعلنون عنها بمجرد المصادقة على الحكومة الفلسطينية.. متى قيل لكم انه سيتم الاعلان عن خريطة الطريق؟

جلالة الملك: سمعنا ان الاربعاء هو موعد محتمل ونريد ان يكون الموعد في اقرب وقت ممكن ولكن علينا فهم ان الامر يتعدى الاعلان عن خريطة الطريق فان اعلن عنها في الايام القليلة المقبلة فماذا سيحدث بعد ذلك؟ لا بد من اجراءات تتخذها الامم المتحدة واللجنة الرباعية، وخاصة الولايات المتحدة، حتى تتمكن الحكومتان الفلسطينية والاسرائيلية من التقدم في مباحثاتهما..

سي. إن. إن.: كان هناك ضغط كبير على الفلسطينيين بحيث وصلوا الى هذا الوضع ووافق عرفات على حكومة جديدة وما الى ذلك وهناك كثيرون في العالم العربي يقولون انه لا بد من اعمال ضغط على رئيس وزراء اسرائيل تحديدا.. أهذا امر تعتقد ان الرئيس بوش سيفعله وبخاصة في ضوء ما حدث في العامين الماضيين من حكم شارون؟

جلالة الملك: المشكلة التي أراها هي ان العراق كانت عذرا اتخذه الكثيرون لتجنب المسألة الفلسطينية-الاسرائيلية.. اعرف من مباحثاتي مع الادارة الأميركية وأخيرا مع رئيس الوزراء البريطاني ان الرئيس الأميركي ملتزم باتخاذ ما يلزم لحل المشاكل بين الفلسطينيين والاسرائيليين مما يعني الضغط على الطرفين لاحكام امرهما والمضي قدما.

سي. إن. إن.: اذن انت واثق بأن الرئيس الأميركي سيستخدم هذا النفوذ السياسي الهائل الذي يتمتع به الآن؟

جلالة الملك: واثق من ذلك تمام الثقة. واعتقد ان مما سمعته هنا من اصدقائنا في اوروبا وفي اماكن اخرى ان الأميركيين ملتزمون جدا بذلك. أجل انا متفائل جدا بهذا الصدد.

سي. إن. إن.: الاردن بحد ذاته صنع سلاما مع اسرائيل وانتم صديق للولايات المتحدة وتتمتعون بتحالفات استراتيجية كثيرة ولكن لا بد انكم تشعرون بما هو سائد في العالم العربي اجمع هذه الايام وهو شعور عميق من معاداة الأميركيين.. أتشعر بهذا؟

جلالة الملك: تشعرين بذلك في الشرق الاوسط كله. وكذلك الاردن الذي تمتع دوما بعقلية متفتحة نحو الجميع في المنطقة وأبعد من ذلك. والمشكلة هي ان هناك شكوكا في سبب دخول الأميركيين وتحالفهم مع العراق. من الواضح ان قوات التحالف تقول ان السبب هو تحرير العراقيين ومنحهم مستقبلا افضل. ولكن الشعوب في الشرق الاوسط متشككون من ذلك. والطريقة الوحيدة لترك الانطباع الصحيح في الشارع العربي والمنطقة بأسرها هو اظهار ما اذا سيكون هناك شفافية وبذل جهد لحل القضية الفلسطينية الاسرائيلية. فهناك امور كثيرة منوطة بخريطة الطريق وكيف تتعامل معها الادارة الأميركية، ان لم نتحرك بسرعة فسيقول الجميع في الشرق الاوسط ان هذا جزء من اجندة وان هناك من سيلي على القائمة.

سي. إن. إن.: ما الواجب عمله تحديدا باسرع وقت ممكن بمجرد الاعلان عن خريطة الطريق. ما الذي تتطلعون الى حدوثه؟

جلالة الملك: فيما يتعلق بخريطة الطريق هناك خطوات محددة يجب اتخاذها من قبل الفلسطينيين والاسرائيليين وكذلك العرب. يجب ان نفتح قنوات الحوار فيما بينهم باسرع وقت ممكن. فالاسرائيليون يقولون دوما ان هناك مسألة امنية لا بد من حلها.. ويجب ان نتجاوز ذلك باسرع ما يمكن. فطالما ظل الامن عائقا فلن نتمكن من تطوير العملية السياسية. وهكذا اعتقد ان على الدول ان تلتقي للتعامل مع المسألة الامنية. وفي نفس الوقت يجب التعامل مع العملية السياسية والتقدم في ذلك المسار.

سي. إن. إن.: كتب وزير الخارجية الاردني أخيرا مقالة في صحيفة الـ" نيويورك تايمز " بخصوص القضية الفلسطينية-الاسرائيلية وموقف الاردن من الديمقراطية في العالم العربي.. ما العبء الذي يتحمله قادة مثلكم ومثل بقية القادة العرب حتى تتولون زمام اموركم وتقررون مصائركم ومستقبلكم ومحاولة تجاوز الوضع السياسي السائد الآن. أتشعر بهذا؟ وما هي الخطوات الواجب عملها؟

جلالة الملك: منذ تحدثت معك بهذا الامر اول مرة قبل قرابة الاربعة اعوام قلت ان الاردن يحتاج الى التحرك بهذا الاتجاه بأسرع وقت ممكن. لسوء الحظ في السنوات الثلاث الماضية انتقلنا من توغل القوات الاسرائيلية المسلحة والانتفاضة في الضفة الغربية التي لم تحل بعد الى الحادي عشر من ايلول والى استعدادات الحرب في العراق والحرب في العراق. لقد كانت السنوات الثلاث او الاربع الماضية عصيبة جدا، ولكن الى ان نتقدم على مسار المسألة الفلسطينية-الاسرائيلية فسيكون صعبا على البلدان الاخرى ان تشعر بما يكفي من الطمأنينة للمضي بالعملية قدما.. نحن في الاردن ننتظر. فهناك انتخابات برلمانية في 17 حزيران، وسيعيدنا ذلك الى المسار الصحيح بأسرع ما يمكن وهكذا فنحن لا نتطلع حولنا في خوف وانما نتطلع الى المستقبل ونتقدم نحوه.

سي. إن. إن.: فكرة ما يسمى بـ" نظرية الدومينو الديمقراطية " أي أنه متى سقط النظام العراقي وصار العراق ديمقراطيا عندها ستحذو الدول الاخرى حذوه في الديمقراطية والتعددية وما الى ذلك؟

جلالة الملك: سيحدث ان تم حل المسألة الفلسطينية-الاسرائيلية. فمرة اخرى، العبء الامني والشعور بعدم الاستقرار في المنطقة سيكون دائما عذرا لدى القادة كي لا يتمكنوا من تطوير الديمقراطية او الحرية بالطريقة التي نريدها جميعا. وأرى في الاردن رغم اننا نتحرك في الاتجاه الصحيح ونود الاسراع في خطانا الا ان استمرار القضية الفلسطينية-الاسرائيلية والعربية-الاسرائيلية في إلقاء ظلالها علينا سيجعل من المتعذر علينا توفير مناخ امن مستقر ليس في الاردن فقط وانما في المنقطة كلها على النحو الذي نريده.

سي. إن. إن.: وانتم تعتقدون حقا انه ان تم تجاوز ذلك العائق الهائل وان تم التوصل الى حل باقامة دولتين قابلتين للبقاء كما هو وارد في خريطة الطريق وان حدث هذا عام 2005 فهل تعتقدون ان بلدان المنطقة ستنهج الديمقراطية واحدة تلو الاخرى؟

جلالة الملك: أجل.. ستنهج كل بلد ذلك بايقاع مختلف. فالديمقراطية تعني اشياء مختلفة بحسب اختلاف الامم.. ويجب ان تكون نابعة من البلد نفسه. فليس هذا امراً نستورده. ولكن الانفتاح هو الخطوة الاولى على طريق الديمقراطية وعندما نتقدم نحو شرق اوسط اكثر استقرارا فسيكون اسهل على المجتمعات ان تحقق ذلك.. ان كان العراق مثلا كبيرا يحتذى فآمل اننا في الاردن، وبخاصة اننا نتمتع بتجربة ديمقراطية لسنوات عدة، نأمل ان نتمكن من تحفيز الآخرين عندها سيقولون في الشرق الاوسط "انهم يحققون ذلك ويمثلون نماذج ناجحة، فلا شك اننا نستطيع اتباع خطاهم".

سي. إن. إن.: لنتحدث عن العراق من الامور التي قلق الناس كثيرا منها قبل الحرب هو تفسخ العراق الى ثلاثة اجزاء اولا اما زلت تشعر بذلك القلق؟

جلالة الملك: اجل..على وجه الخصوص ما رأيناه في الجنوب من صراع داخل المجتمع الشيعي. فمن شأن ذلك ان يتطور ليزيد من تفسخ وتجزئة المجتمع العراقي بالاضافة الى انه مع قدوم الادارة الأميركية فعليهم اضفاء صبغة عراقية للحكومة الانتقالية لانه الآن ان تكونت ادارات في الشمال والوسط والجنوب. ففي الواقع، سيتشكل لدينا ثلاثة اجزاء من العراق.. ولهذا نحتاج الى صبغة وطنية بأسرع ما يمكن.

سي. إن. إن.: وجهت الادارة الأميركية انذارات الى بعض جيران العراق وخاصة ايران، ففي الاسبوع الماضي قيل لهم الا يتدخلوا فلن تكون هناك حكومة اسلامية عراقية.. هل احتمال هذا امر يشغلكم؟ وعلام يبحث الايرانيون برايكم؟

جلالة الملك: لقد تمتع الايرانيون دائما بقدرة جيدة على قراءة الخريطة السياسية في المنطقة. ويتمتعون بذكاء في هذا المجال. كان هناك تقارب بين ايران والولايات المتحدة الى حد ما، وبين ايران واوروبا.. واعتقد ان هذه اشارة ايجابية. ولكن التدخل في جنوب العراق امر مغر جدا ببساطة بسبب المواقع الدينية التاريخية وبسبب الغالبية الشيعية ولهذا علينا انتظار ما يحمله لنا الشهران القادمان. ولكنه امر يشغلنا جميعا حسبما اعتقد.

سي. إن. إن.: فيما يتعلق بقائد للعراق.. من اين يأتي هذا القائد؟ هناك حديث كثير حول احمد الجلبي من المجلس الوطني العراقي الذي يتلقى دعما من البنتاغون؟

جلالة الملك: بعض الناس بالبنتاغون.

سي. إن. إن.: الناس المهمون.. ومنهم نائب الرئيس الأميركي، أهذا خيار قابل التطبيق؟ فقد اتهم الجلبي في بلدكم بالاحتيال والاختلاس وحوكم غيابيا بالسجن؟

جلالة الملك: لا اعتقد انني التقيت بهذا الرجل من قبل. ولكن كما قلتِ الان انه مطلوب بتهمة اختلاس اموال الناس في الاردن ولبنان. وهناك قضية مصرفية في سويسرا. هناك علامة استفهام كبيرة تحيط به. ولكن ان نظرنا الى مستقبل محتمل في العراق فأتصور اننا نرغب برؤية شخص عانى مع الشعب العراقي. وهذا الرجل تحديدا غادر العراق على ما اعتقد في الحادية عشرة او السابعة.. فأي علاقة تربطه بالناس في الشارع العراقي؟ أتصور ان العراقيين يفضلون شخصية يعرفونها ويعرفون انها عانت معهم. ولهذا ارى دورا للمعارضة، ولكنه دور ثانوي.

سي. إن. إن.: أيدهشك انه لم توضع حتى الان هيئة انتقالية او مؤقتة.. فمثلا في افغانستان وضعت مثل هذه الهيئة حتى قبل نهاية الحرب؟

جلالة الملك: اعتقد انه كان عليهم التحرك بشكل اسرع والفراغ السائد الان لا يساعد الموقف على الارض. ولكننا لسنا على اطلاع تام بالامور الدقيقة لما يخطط لها التحالف مما يجعل من الصعب علينا ان نصدر احكاما. اعتقد اننا نشعر ببعض خيبة الامل من ان الامور لم تسر بسرعة كما كان يجب ان يكون. ولكن لننتظر ما يأتي به الاسبوع القادم. ان لم نر شيئا في الاسابيع القليلة القادمة فأعتقد ان الوضع على الارض سيصبح اكثر سوءا.

سي. إن. إن.: في النهاية ما برأيكم هو النفع الملموس للاردن وبقية العالم العربي من زوال صدام حسين؟

جلالة الملك: أعتقد ان هذا الامر سيجعل من العراق دولة قديرة جدا ذات تاريخ واسع وفرصة لشعب العراق ليستعيد قوته.. سيكون العراق احد اهم مراكز الجاذبية في مستقبل الشرق الاوسط. وهكذا فان امة قديرة وموهوبة وقوية تتحرك في الاتجاه الصحيح ستكون مبعثا للراحة لنا جميعا في المنطقة. نأمل الكثير لمستقبل العراق. وان عراقا مزدهرا سيجعل منطقتنا كلها مزدهرة.

سي. إن. إن.: جلالة الملك شكرا جزيلا على حديثك معنا.

جلالة الملك: شكرا لكم.