كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في مؤتمر القمة العربية - الدورة السابعة والعشرين

كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في مؤتمر القمة العربية - الدورة السابعة والعشرين

موريتانيانواكشوط
25 تموز/يوليو 2016
(ألقى الخطاب رئيس الوزراء هاني الملقي نيابة عن جلالة الملك)

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي العربي الهاشمي الأمين،

فخامة أخي الرئيس محمد ولد عبد العزيز،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

يسرني بداية أن أتوجه بعميق الشكر والتقدير لأخي فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، ولشعبه الشقيق على استضافة قمتنا هذه، وحفاوة الاستقبال، كما أتوجه بالشكر  لأخي فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي على استضافة القمة العربية السابقة، كما أتقدم بالشكر أيضا لكوادر الجامعة العربية على الجهود الكبيرة التي تبذل في سبيل توفير أسباب النجاح لهذه القمة، والتهنئة الخالصة لمعالي الأخ أحمد أبو الغيط، الأمين العام للجامعة العربية، متمنيا له كل التوفيق في مهامه الجديدة للنهوض بأداء الجامعة العربية ودورهـا في تفعيـل العمل العربي المشترك.

ولا يفوتني في هذا المقام، أن أستذكر الجهود القيمة التي بذلها الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، معالي الدكتور نبيل العربي، وما بذله من جهود خيرة متواصلة، في ظروف كانت في غاية الدقة والتعقيد.

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،

لقد أثبت التاريخ والواقع أن العمل العربي المشترك، هو حاجة أساسية لأمن واستقرار منطقتنا، وازدهار شعوبنا. وقد سعينا منذ عقود خلت، إلى تطوير العمل العربي المشترك، وإحداث نقلة نوعية في أداء المؤسسات العربية المشتركة، آملين أن يؤدي ذلك الإصلاح إلى رفع مستوى إنجازها، وتمكينها من مواجهة التحديات الجسام وتعميق دورها في المحافل الدولية.

وما كانت الحاجة لذلك الإصلاح أكثر مما هي عليه اليوم، لقد آن أوان التأسيس لمرحلة جديدة تعكس فيها الجامعة العربية ومؤسساتها آمال الشعوب العربية وتطلعاتها.

ولقد قُدِمت سابقا مشاريع لتعزيز ميثاق الجامعة وتطوير مجالسها وتأطير قراراتها وإجراءات تنفيذها، وكذلك بث روح جديدة في مفهوم الدفاع العربي المشترك، وإننا نرى ضرورة إعادة إحياء تلك المبادرات ضمن مشروع إصلاحي يجمع عليه القادة العرب ليرقى عملنا إلى مستوى التحدي الماثل أمامنا، لا سيما وأنه قد أصبح يشكل أولوية كبرى تتطلع إليها شعوبنا وتأمل منا السير بها. فتحدياتنا واحدة وأمننا ومستقبلنا مترابطان، مما يجعل العمل العربي المشترك، واجبا حتميا.

فالإرهاب الذي يعصف بمنطقتنا لا يعترف بحدود أو جنسية، وهو يسعى لتشويه صورة الإسلام ورسالته السمحة، والتصدي له والحرب عليه هي حربنا نحن المسلمين ضد خوارج هذا العصر، حربنا للدفاع عن ديننا ومستقبلنا، فإما أن نواجهه فرادى أو أن نأخذ القرار الصائب بالعمل الجماعي الشمولي، فلا توجد دولة محصنة من خطر الإرهاب وشروره، أو قادرة على مواجهته بمعزل عن محيطها الإقليمي والدولي.

وفي الوقت الذي تقع علينا نحن العرب والمسلمين، مسؤولية وواجب تصدر جهود محاربة الخوارج، فإنه لابد من الوصول الى مستوى متقدم من التنسيق الدولي، وفق استراتيجية شمولية لمواجهة هذا الخطر، الذي تتجاوز تبعاته ما يجري في سوريا والعراق، لتصل إلى العالم أجمع.

وعلى ذلك، فلا بد من التأكيد على دعم جهود محاربة الإرهاب وعصاباته، خاصة في العراق وسوريا وليبيا، للحيلولة دون نجاح هذه العصابات في ترسيخ وجودها في المنطقة. وهنا تجدر الإشادة بالجهود الكبيرة المبذولة في العراق لمحاربة عصابة داعش الإرهابية ودحرها، وما تحقق مؤخرا على صعيد تحرير عدد من المدن والمناطق العراقية.

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،

وعند الحديث عن الأزمة السورية التي مرت عليها ستة أعوام، وتزايدت تبعاتها على الإقليم والعالم، ومعها الأوضاع الكارثية التي يعانيها السوريون، فلابد من التأكيد على أنه كلما طال أمد هذه الأزمة، زادت معاناتهم، ومعاناة دول الجوار التي تستضيف غالبية اللاجئين منهم.

فالأردن وحده يستضيف نحو مليون وثلاثمئة ألف لاجئ سوري، رغم التقاعس الدولي عن توفير احتياجاتهم وتخفيف معاناتهم، والضغط الذي يشكلونه على المجتمعات المستضيفة، حتى بات العديد من أبناء وبنات شعبي يعانون من هذا الوضع الذي لم يعد لدينا القدرة على تحمله أو تقبل استمراره.

ومع تأكيدنا على حتمية الحل السياسي الشامل، الذي يضمن مشاركة جميع مكونات الشعب السوري، أود الإشادة هنا بالجهود الكبيرة التي بذلتها وتبذلها المملكة العربية السعودية الشقيقة، بقيادة أخي الكبير خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، لتوحيد صفوف المعارضة وتشكيل وفدها المفاوض، وكذلك بالمساعي الرامية لإيجاد حل سياسي يضع حدا لمعاناة السوريين ويصون وحدة أراضيهم.

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،

وعلى الرغم من تشابـك القضايـا التي تعصف بمنطقتنا، وتبدل الأولويات، إلا أن القضية الفلسطينية تظل قضيتنا المركزية، والتحدي الأول في الشرق الأوسط.

وفيما ينشغل العالم بالقضايا والنزاعات التي نشهدها، تستغل إسرائيل ذلك للتمادي في عدوانها ضد الشعب الفلسطيني، من خلال التوسع في الإستيطان، ومحاولات تغيير الواقع في الأراضي المحتلة، والإعتداءات المتكررة على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، مما يعرقل جهود استئناف مفاوضات السلام، وتمكين عصابات الإرهاب من استغلال معاناة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة للترويج لأهدافها الضالة والمضللة.

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،

إننا واستنادا إلى الوصاية الهاشمية على الأمـاكن المقدسة في مدينة القدس، وبالتنسيق مع أخي فخامة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأشقائنا في دولة فلسطين، نؤكد مواصلة قيامنا بواجبنا الديني والتاريخي في حماية الأماكن المقدسة في القدس الشريف، والتصدي للإنتهاكات الإسرائيلية، وبخاصة تلك التي تستهدف المسجد الأقصى والحرم الشريف بكل الوسائل المتاحة.

لقد آن الأوان للعالم أن يدرك أنه بدون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، فإن هذه المنطقة لن تنعم بالاستقرار، وعلى المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية، والعمل على إلزام إسرائيل بوقف سياساتها وممارساتها غير القانونية، خاصة فيما يتعلق بالإستيطان ومحاولاتها لتغيير الوضع القائم، والعودة لاستئناف المفاوضات وصولا إلى الحل العادل والشامل والدائم للقضية الفلسطينية، استنادا الى حل الدولتين وعلى أساس قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران. أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،

وعلى صعيد آخر، وفي الوقت الذي نشيد فيه بجهود أخي صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت الشقيقة، في استضافة المفاوضات اليمنية، فإننا نؤكد دعمنا ومساندتنا الكاملة للشرعية في اليمن الشقيق، ممثلة بفخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وللتحالف العربي وجهوده الرامية لدعم الشرعية واستعادة الأمن والاستقرار في اليمن، وضمان وحدة أراضيه.

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،

لقد كان الأردن على الدوام، الداعم القوي للقضايا العربية والإسلامية، ولم يدخر جهدا للدفاع عنها فعلا وقولا، فأمننا واحد، وسنستمر بالقيام بواجبنا القومي والإنساني، تجاه أمتنا وتجاه الأشقاء من اللاجئين، رغم الضغوط الهائلة التي تعانيها مواردنا وإمكانياتنا. وواجب الشكر يقتضي أن أتقدم بالشكر للأشقاء والأصدقاء الذين مدوا لنا يد العون.

وفي الختام، نكرر الشكر لأخي فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، ولحكومة موريتانيا وشعبها العزيز، على استضافة هذه القمة والجهود المبذولة لإنجاحها، سائلين العلي القدير التوفيق لما فيه خير أمتنا وشعوبنا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.